الحج رؤية إسلامية جامعة

مقالات

2021/04/03

title

الحج رؤية إسلامية جامعة

     أ‌)الحج في منظومة العبادة:

-       سخّر الله عزّ وجلّ للنوع البشري الكون كلّه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحج 65).

-       وكرّمه أعظم تكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء 70)، فضلاً عن الموقع الذي خوّله إياه في الأرض وهو موقع الخليفة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة 30).

-        ومن ألوان هذا التكريم أن عرّفه الغاية التي لا يكون الإنسان إنساناً من دونها؛ التي تفتح أمامه آفاق إنسانيته في تناغم وانسجام بين هذه الغاية السامية وحاجة ثابتة في أعماق وجوده، تحقّق وتوثّق علاقة الإنسان الفقير النسبيّ بالله الغنيّ المطلق ألا وهي العبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات 56)، و لئلا يتوهّم متوهّم أنّ هذه الغاية مما لله سبحانه فيه نصيب يعود عليه نفى ذلك عن نفسه فقال:(وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) (إبراهيم 8).

-        ولم يمنّ الله الكريم على الإنسان بتعريفه الغاية التي من الجدير به أن يسعى إليها ويحرص عليها فحسب؛ وإنما قدّم له من المكنونات الغيبيّة واللطائف الملكوتيّة صيغاً لهذه العبادة هي أعظم هديّة ربّانيّة تناغم في الشريعة الإسلامية الخاتمة الغرّاء شكلها ومضمونها، ظاهرها وباطنها، وأحكامها وآثارها، آدابها وأسرارها، في منظومة تضيء فيها شموس الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وسواها من العبادات ليتألّق الإنسان كما يليق بإنسانيّته التي نفخ فيها الله من روحه وأسجد لها ملائكته (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر 29).


  ب‌) خصوصيات الحج:

ينطبق على كلّ من أفراد هذه المنظومة ما سبق من البيان ولكنّ الحجّ من بينها يختصّ بما سنبّين بعض ما يتيسّر منه في هذه المقالة الوجيزة:

1- جاء التعبير عن هذه العبادة ووجوبها فريداً في بابه غنياً بدلالاته (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران 97)، فقُدّم الله تعالى وجعل الحج حقاً له على الناس لا على المسلمين وحدهم وعرّف البيت بلام العهد تنويهاً؛ ولولا تقييد الوجوب بالاستطاعة بجوانبها المختلفة لما أُعفي من هذا الواجب أحد.

2-  عبّر عن ترك هذا الواجب في ختام الآية السالفة الذكر بالكفر، وهو وإن كان أقرب إلى الكفران مقابل الشكر لكن فيه شائبة من كفر الجحود، وأُكّدت حاجة الإنسان إلى هذه العبادة ضمن افتقارهم إلى العبادة عموماً وغنى الله عن عبادة من أهملها مصداقاً لغناه عن عبادة الخلق أجمعين.

3- ما دامت هذه العبادة كسواها من العبادات لا تتحقق عباديّتها إلا بنيّة القربة إلى الله سبحانه، فقد دُعي العابدون إلى الإتيان بهذه العبادة من أولها إلى تمامها خالصة لوجه الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ...) (البقرة 196).

4-  لهذه العبادة كالصلاة خصوصية زمنيّة لا تتمّ خارجها من أوقات العام، وآداب مرعيّة جوهرها ترك كلّ ما يشوّه نقاء الإنسان، ولها كالصيام علاقة مصداقيّة بالتقوى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة 197).

لكنّها تضرب بجذورها في عمق التاريخ:

-        فهي تتوجّه إلى مركز القبلة التي يتوجّه إليها المسلمون في كلّ بقاع الأرض وهو أول بيت وضع للناس طاعةً لأمر الله بيد آدم أبي البشر والإنسان الأول ومفتتح قافلة الأنبياء المصطفين على الأرض ليكون حجّ الناس إليه:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران 96-97).

-        وحين يتقادم العهد على ذلك البيت العتيق يُعهد إلى نبيين كريمين أن يرفعا قواعده من جديد (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة 127).

-        ويؤمر هذان النبيّان بتطهير بيت الله (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة 125).

وفي إضافة البيت إلى الله تعالى بياء المتكلّم - وهو من لا ماهية له ولا زمان ولا مكان - ما يدعونه الإضافة التشريفية، وهي على غرار إضافة الروح التي تُنفخ في الإنسان إليه سبحانه (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (ص 71-72).

 ويفتّق هذا التجذّر في الزمان على لسان أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام دعاءين يحققهما الله استجابة لخليله:

 أولهما:(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم 37).

وثانيهما:(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة 129).


5-  لكنّ الخصوصيّة المكانيّة للحج كالخصوصية الزمانية غنية كلّ الغنى ومفعمة بالتقديس لأسماء متعددة:

-        كالبيت:(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى...) (البقرة 125).

-        والكعبة البيت الحرام:(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (97 المائدة).

-        والحرم:(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (القصص 57).

-        ومكة أو بكة كما جاء في آية سبق الاستشهاد بها:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران 96).

-        والمسجد الحرام:(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة 149).

 

ت‌)         دور الحج في حياة الإنسان:

للحج كما لكلّ عبادة دور في حياة الإنسان وفي القرآن صغريات لهذه الكبرى من أمثلتها:

-       في الصلاة:(...وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت 45).

-       وفي الزكاة:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة 103).

-        وفي الصيام:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 183).

 وأما الحج فيمكن تلمّس أبعاد دوره في حياة الإنسان وبناء شخصيّته فيما يأتي:

1-  الإتيان بالعمل من أوله إلى تمامه خالصاً لله تعالى:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ...) (البقرة 196).

2- استحضار المسؤولية أمام الله وحقّه على عباده:(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران 97).

الشكر العملي لله بإقام العبادات وتوظيف الطاقات مقابل الكفران:(...وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران 97).

3- رجاء قبول العمل والإسلام والتسليم لله والالتزام بالمناسك واغتنام الفرصة للتوبة:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة 127-127).

4- تعظيم حرمات الله وشعائره:(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج 30-31-32).


ث‌)  الحج ودوره في حياة الأمة بين التعطيل والتفعيل:

            ذات يوم وقف (مالكولم إكس) الأمريكي المسلم صاحب كتاب (القوة السوداء) وقد وُفّق إلى الحج ينظر إلى الحجيج يطوفون حول الكعبة؛ فأسره ذلك المشهد وتساءل عن هذه القدرة المعطّلة في حياة الأمة ماذا لو وجدت صراطها إلى التفعيل؟!

          وحين انتصرت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني أرسل وفداً إلى السعودية يحمل رؤيته لآفاق تفعيل الحج في حياة الأمة وحين أصرت الجهة السعودية على فهمها للحج في إطار البعد العبادي فحسب؛ دعا الوفد إلى أن يُوضّح كلّ طرف وجهة نظره للأمة على صحف الطرف الأخر ومن خلال الوسائل الإعلاميّة الأخرى، لكنّ الطرف السعوديّ أصرّ على الرفض واضطرّ على مضض  أن يفسح للإيرانيين تفعيل رؤيتهم في إطار ضيّق وبعد إخطار الجهات المعنية في السعودية وبإذنها وبالتنسيق معها.

         وقد حرصت الثورة الإسلامية على أن تنهل الأمة في الحج من بركات البعد السياسي له مستهدية بالقرآن الكريم ومستلهمة منه مفهوم البراءة من أعداء الإسلام من المستكبرين والصهاينة المجرمين:

        (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ  اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (التوبة 1-2-3).

         ومستلهمة كذلك مفهوم وحدة الأمة المؤكد عليه في القرآن بقوة:(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء 92)، (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون 52).

        فكان أن دعت إلى انطلاق حجاج بيت الله الحرام - خلال كلّ موسم للحج - في مسيرتين تحت لواء هذين المفهومين البراءة والوحدة، وتوظيف المسيرتين لصالح القضية المحوريّة للأمة وهي قضية  فلسطين.

-       ونادت – فيما نادت به – من تفعيل البعد الاقتصادي للحج إلى تأسيس سّوق اقتصادية مصغّرة والانطلاق من ثمّ إلى السوق الاقتصادية الإسلامية الكبرى، وحلّ مشكلات المسلمين الاقتصادية ولا سيّما الفقر بالتكافل بين الدول الإسلامية الغنيّة والدول الفقيرة وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والقوة الاقتصاديّة المتميزة للأمة تنفيذاً لما ندب إليه القرآن الكريم على هذه الصُعد كافّة:(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج 27-28).

-        وفي الخلاصة حرصت الثورة الإسلامية على أن يتحقّق الهدف الإسلامي القرآنيّ للحج وهو أن تكون الكعبة البيت الحرام قياماً للناس ومنطلقاً للمجتمع الإنسانيّ الفاضل فضلاً عن كونها قبلة المسلمين:(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المائدة 97).

 ومن المؤسف والمؤلم أن هذه الدعوة المخلصة للإسلام المحبّة للمسلمين، المنطلقة من التوجيهات القرآنيّة جوبهت ذات حجّ وبتآمر دوليّ برصاص انهمر على الحجاج الإيرانيين من قبل الأمن السعوديّ - وهم في مسيرتهم المرخّصة من السلطات السعوديّة نفسها - وفي الشهر الحرام وبجوار البيت الحرام؛ مما أسفر عن قتل المئات من النساء وأمهات الشهداء ومعوّقي الحرب الظالمة على الجمهوريّة الإسلاميّة فضلاً عن أضعافهم من الجرحى.

 وأقلّ ما يُقال في ذلك: إنه تنكّر للأمن والأمان الذي أفاءه الله على مكة ولا سيما من يحجّ إليها وهو ما تلتقي حوله آيات عديدة من القرآن:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران 96-97).

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (البقرة 125-126).

(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (إبراهيم 35).

(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (القصص 57).

(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش 1-2-3-4).

      وحسبنا في ختام هذه المقالة الموجزة أن نطرّز بحديث في أسرار الحج للإمام زين العابدين عليه السلام، وبذكر حدث عظيم يوم الحج الأكبر، وفقرة من دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام:

     أما الحديث فهو الآتي:

    بسم الله الرحمن الرحيم

حديث الإمام زين العابدين عليه السلام للشبلي

لمّا رجع مولانا زين العابدين (عليه السلام) من الحجّ استقبله الشبلي.

فقال (عليه السلام) له: «حججت يا شبلي؟»

قال: نعم، يا بن رسول الله.

فقال (عليه السلام): «أَنَزلْتَ الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فحين نزلت الميقات نويت أنّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك، نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين اغتسلت نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت!»

ثم قال (عليه السلام): «تنظّفت، وأحرمت وعقدت بالحج؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحجّ، نويت أنّك تنظّفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين أحرمت نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عزّ وجلّ؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين عقدت الحجّ نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله؟»

قال: لا.

قال له (عليه السلام): «ما تنظّفت ولا أحرمت، ولا عقدت الحج!»

قال له (عليه السلام): «أدخلت الميقات وصلّيت ركعتي الإِحرام ولبّيت؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فحين دخلت الميقات، نويت أنك بنيّة الزيارة؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين صلّيت الركعتين، نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين لبّيت، نويت أنك نطقت لله ـ سبحانه ـ بكلّ طاعة، وصمت عن كلّ معصية؟»

قال: لا.

قال له (عليه السلام): «ما دخلت الميقات، ولا صلّيت، ولا لبّيت!»

ثم قال له (عليه السلام): «أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصلّيت؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فحين دخلت الحرم، نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإِسلام؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين وصلت مكّة، نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولا صليت!»

ثم قال: «طفت بالبيت، ومسست الأركان، وسعيت؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علاّم الغيوب؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما طفت بالبيت، ولا مسست الأركان، ولا سعيت!»

ثم قال له (عليه السلام): «صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم (عليه السلام)، وصلّيت به ركعتين؟»

قال: نعم.

فصاح (عليه السلام) صيحة كاد يفارق الدنيا ثم قال: «آه آه»

ثم قال (عليه السلام): «من صافح الحجر الأسود، فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين! لا تضيّع أجر ما عظم حرمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة، وقبض الحرام نظير أهل الآثام»

ثم قال (عليه السلام): «نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، أنك وقفت على كلّ طاعة، وتخلّفت عن كلّ معصية؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فحين صلّيت فيه ركعتين، نويت أنك صلّيت بصلاة إبراهيم (عليه السلام)، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟»

قال: لا.

قال له (عليه السلام): «فما صافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صلّيت فيه ركعتين!»

ثم قال (عليه السلام) له: «أَشْرَفْتَ على بئر زمزم، وشربت من مائها؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «نويت أنّك أشرفت على الطاعة، وغضضت طرفك عن المعصية؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها!»

ثم قال له (عليه السلام): «أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما؟»

قال: نعم.

قال له (عليه السلام): «نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما سعيت، ولا مشيت، ولا ترددت بين الصفا والمروة!»

ثم قال (عليه السلام): «أخرجت إلى منى؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما خرجت إلى منى!»

ثم قال له (عليه السلام): «أوقفت الوقفة بعرفة، وطلعت جبل الرحمة، وعرفت وادي نمرة، ودعوت الله ـ سبحانه ـ عند الميل والجمرات؟»

قال: نعم

قال (عليه السلام): «هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله ـ سبحانه ـ أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك واطّلاعه على سريرتك وقلبك؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «نويت بطلوعك جبل الرحمة، أن الله يرحم كلّ مؤمن ومؤمنة، ويتولى كلّ مسلم ومسلمة؟»

قال: لا

قال (عليه السلام): «فنويت عند نمرة أنّك لا تأمر حتى تأتمر، ولا تزجر حتى تنزجر؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما وقفت عند العَلَم والنمرات، نويت أنها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة بأمر ربّ السماوات؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات!»

ثم قال (عليه السلام): «مررت بين العلمين، وصلّيت قبل مرورك ركعتين، ومشيت بمزدلفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمشعر الحرام؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فحين صلّيت ركعتين، نويت أنّها صلاة شكر في ليلة عشر تنفي كلّ عسر وتيسر كلّ يسر؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما مشيت بين العلمين ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً، نويت ألّا تعدل عن دين الحقّ يميناً وشمالاً لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بجوارحك؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى، نويت أنّك رفعت عنك كلّ معصية وجهل، وثبّت كلّ علم وعمل؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما مررت بالمشعر الحرام، نويت أنّك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عزّ وجلّ؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فما مررت بالعلمين، ولا صلّيت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام!»

ثم قال له (عليه السلام): «وصلت منى ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإِفاضة؟»

قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فنويت عندما وصلت منى، ورميت الجمار، أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلّ حاجتك؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما رميت الجمار، نويت أنّك رميت عدوّك إبليس وغضبته بتمام حجّك النفيس؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما حلقت رأسك، نويت أنك تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك أُمّك؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما صلّيت في مسجد الخيف، نويت أنك لا تخاف إلاّ الله ـ عزّوجلّ ـ وذنبك، ولا ترجو إلاّ رحمة الله تعالى؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما ذبحت هديك، نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع وأنك اتّبعت سنّة إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحان قلبه، أحييت سنّته لمن بعده، وقرّبه إلى الله تعالى لمن خلقه؟»

قال: لا.

قال (عليه السلام): «فعندما رجعت إلى مكّة وطفت طواف الإِفاضة نويت أنّك أفضت من رحمة الله تعالى  ورجعت إلى طاعته، وتمسّكت بودّه، وأدّيت فرائضه، وتقرّبت إلى الله تعالى؟»

قال: لا.

قال له زين العابدين (عليه السلام): «فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أدّيت نسكك، ولا صلّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإِفاضة، ولا تقرّبت، اِرجع فإنك لم تحجّ!»

فطفق الشبلي يبكي على ما فرّطه في حجّه، وما زال يتعلّم حتى حجّ من قابل بمعرفة ويقين. انتهى.

-                   وأما ذكرى الحدث العظيم يوم الحج الأكبر فها هي ذي كما يرويها الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك:

في المستدرك على الصحيحين للحاكم عن زيد بن أرقم قال:

(لما رجع رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير (خم) أمر بدوحات فقمن، فقال: كأني دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيدي علي (رض) فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه...). يقول الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أخرجه الحافظ الذهبي في تلخيصه على المستدرك.

وأما دعاء عرفة فهاتان فقرتان منه:

1-             اللّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ وَأَكْرَمُ مَنْ عَفى وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطى وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلْ يا رَحْمنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ وَرَحِيمَهُما لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤولٌ وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي وَوَثِقْت بِكَ فَنَجَّيْتَنِي وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي، اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءكَ وَهَنِّئْنا عَطاءكَ وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرِينَ وَلاِلائِكَ ذاكِرِينَ آمِينَ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ. اللّهُمَّ يامَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ وَقَدَرَ فَقَهَرَ وَعُصِيَ فَسَتَرْ وَاسْتُغْفَرَ فَغَفَرَ يا غايَةَ الطَّالِبِينَ وَمُنْتَهى أَمَلِ الرَّاجِينَ يامَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيٍْ عِلْما وَوَسِعَ المُسْتَقِيلينَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْما، اللّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ الَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَأَمِينِكَ عَلى وَحْيِكَ البَشِيرِ النَّذِيرِ السِّراجِ المُنِيرِ الَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلى المُسْلِمِينَ وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظِيمُ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ المُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، فَإِلَيْكَ عَجَّتِ الأصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ فَاجْعَلْ لَنا اللّهُمَّ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ نَِصيّباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ وَنُوراً تَهْدِي بِهِ وَرَحْمَةً تَنْشُرُها وَبَرَكَةً تُنْزِلُها وَعافِيَةً تُجَلِّلُها وَرِزْقاً تَبْسُطُهُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

2-             إِلهِي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ فاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَيَكُونُ لِغَيْرُكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟ مَتى غبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً، إِلهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلى الآثارِ فَارْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأنْوارِ وَهِدايَةِ الاِسْتِبْصارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها مَصُونَ السِّرِّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْها وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ. إِلهِي هذا ذُلِّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَهذا حالِي لا يَخْفى عَلَيْكَ مِنْكَ أَطْلُبُ الوُصُولَ إِلَيْكَ وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إِلهِي عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ وَصُنِّي بِسِتْرِكَ المَصُونِ إِلهِي حَقِّقْنِي بِحَقائِقِ أَهْلِ القُرْبِ وَاسْلُكَ بِي مَسْلَكَ أَهْلِ الجَذْبِ، إِلهِي أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي وَبِاخْتِيارِكَ عَنْ اخْتِيارِي وَأوْقِفْنِي عَلى مَراكِزِ اضْطِرارِي، إِلهِي أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي وَطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي، بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْنِي وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِّبْنِي وَفِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْنِي وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْنِي وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْنِي، إِلهِي تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي؟ إِلهِي أَنْتَ الغَنِيُّ بِذاتِكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّا عَنِّي؟ إِلهِي إِنَّ القَضاء وَالقَدَرَ يُمَنِّيِني وَإِنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّى تَنْصُرَنِي وَتُبَصِّرَنِي وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتَّى اسْتَغْنِي بِكَ عَنْ طَلَبِي، أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الأنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الأغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ وَلَمْ يَلْجَؤوا إِلى غَيْرِكَ أَنْتَ المُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمْ المَعالِمُ، ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ ؟ لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً، كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مابَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنانِ؟ يامَنْ أَذاقَ أَحِبَّاءهُ حَلاوَةَ المُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ وَيامَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرِينَ، أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ وَأَنْتَ البادِيُ بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدِينَ وَأَنْتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ وَأَنْتَ الوَهَّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ، إِلهِي اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ وَاجْذُبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ، إِلهِي إِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ كَما أَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي وَإِنْ أَطَعْتُكَ، فَقَدْ دَفَعَتْنِي العَوالِمُ إِلَيْكَ وَقَدْ أَوْقَعَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ، إِلهِي كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِي أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي، إِلهِي كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟ إِلهِي كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الفُقَراءِ أَقَمْتَنِي أَمْ كَيفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي وَأَنْتَ الَّذِي لا إِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيٍْ فَما جَهِلَكَ شَيٌْ وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيٍْ فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً فِي كُلِّ شَيٍْ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيٍْ. يامَنْ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِه فَصارَ العَرْشُ غَيْباً فِي ذاتِهِ مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ وَمَحَوْتَ الأغْيارَ بِمُحِيطاتِ أَفْلاكِ الأنْوارِ، يامَنْ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ يامَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ من الاِسْتِواءِ، كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ الظَّاهِرُ أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحاضِرُ؟ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ.

قرأت لك

كتاب: الوحي والنبوة المؤلف: مرتضى مطهري (مفكر إسلامي)

متابعة القراءة