دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية

مقالات

2021/03/06

title

دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية


مقدمة:

خلق الله البشر فنوّع ألوانهم وأجناسهم وشعوبهم وقبائلهم وألسنتهم (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) (الروم 22).

بل جعل لكلّ واحد منهم ما يَميزه من سواه وراثة وبيئة وتربية على صعيد المؤثّرات وبصمة في اليد والعين وغيرهما على صعيد الشكل وتركيبة ذكائية وعاطفية وجسدية على صعيد البناء.

 لكنّه وحّدهم على أكثر من صعيد: فهم جميعاً من تراب عنصراً ومن آدم وحواء أسرة (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام 98)، وفيهم أجمعين ميل إلى الحق والخير والجمال والكمال ناهيك عن وحدة منابع المعرفة لديهم حساً وعقلاً وفطرةً وافتقاراً إلى الوحي الإلهيّ المسدّد المرشّد وظمأ فطري إلى العبادة لا يرويه إلا عبادة الواحد الأحد.

 وأناط بهم دوراً يجدر أن يلتقوا عليه وهو الخلافة في الأرض بعد أن محض أباهم العلم وباهى به الملائكة وأسجدها له (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة 30).

وذكّرهم بما تفرّدوا به من تقبّل الأمانة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب 72).

ودعاهم بعد أن صارت الأرض مسرحاً لحركتهم من الله وإليه إلى طريق واحدة تصل بهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، وهي أن يفيئوا إلى اتباع الهداية الإلهيّة (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة 38).

 وسمّى تلك الطريقة الصراط المستقيم (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام 138).

 وأمرهم أن يُطيعوا رسله في اجتناب عبادة الطاغوت والاعتصام بعبادة الله الواحد الأحد (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل 36).

وجعل أولئك الرسل المصطفين الأخيار ومن تلاهم من الأولياء الأبرار الأطهار أمناء على خط رقيب على البشر يُوحّد رؤاهم ومنهجهم ألا هو خط الشهادة (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة 44).

 لكنّه سبحانه بحكمته البالغة وتدبيره المتقن جعل ذروة أنبيائه ورسله وأوليائه وإمامهم حبيبه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرسول الخاتم ومسك ختامهم (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (الأحزاب 40).

وجعل أوج الكتب السماويّة والمهيمن عليها القرآن الكريم (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة 48).

 وملتقى الدين وسنامه الإسلام العظيم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة 33).

 وخصّ أمته بأن تكون الأمة الوسط وواسطة العقد بين الأمم - بما تعاقب فيها من خيرة الأئمة بعد الرسول الخاتم - والشاهد عليها (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة 143).

 وإذا كان من الطبيعيّ أن تتنوّع وجوه الرأي والنظر والاستنباط في الأمة وتتشعّب بها الاجتهادات فإنه أراد لها أن تحتفظ وتحافظ على هويّتها وجعل لوحدة هذه الهويّة الضامنة لعزّتها وكرامتها وتميّزها ودورها وسائل من أبرزها روح المقاومة.

أولاً- وحدة الهويّة للأمة الإسلامية:

 تقوم وحدة الأمة الإسلامية على ركائز ثلاث هي القرآن والرسول ودين الإسلام المنعقد منهما بلا فصل بين الكتاب والسنّة بكلّ ما تبيّنه قولاً وعملاً وتقريراً.

 ومهما افترق المسلمون فإنهم يلتقون في أنّ كتابهم هو هذا القرآن الذي قال عنه ربّه:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة 48).

وأنّ نبيّهم ومحجّة قلوبهم ومعشوق مهجهم من الخلق هو هذا النبيّ الذي قال عنه ربّه:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) (الأحزاب 45\46).

وما أروع ما أجاب به أمير المؤمنين عليّ عليه السلام اليهوديّ الذي قال له ما أسرع ما تفرّقتم واختلفتم في نبيّكم (والله ما اختلفنا وتفرّقنا فيه وإنما عنه....)

 وأن دينهم القائم على ما جاء به القرآن الكريم وما فصّله الرسول العظيم بسنته وسيرته هو هذا الإسلام ولا يُقبل منهم سواه (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران 19) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران 85).

 وفي ظلال هذه الركائز الثلاث بل في رحابها وعلى امتداد آفاقها تتضح صورة هذه الهويّة الواحدة للأمة وتتجلّى معالمها فيما يأتي:

  1.  أنها تنبع عقدياً من التوحيد الكلمة الطيبة:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم 24\25).
    فالتوحيد بشقّيه:
     النظري القائم على اعتقادٍ راسخ:
  2.  بالتوحيد الذاتي لله تعالى فهو الأحد (لا يتركّب) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص 1)، وهو الواحد لا يتعدّد، ولم يكن له مماثلاً ولا مشابهًا أحد من خلقه، ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، تبارك وتعالى وتقدَّس (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص 4).
  3. وتوحيد الخالقية والربوبية فليس ثمّ مدّبر لكلّ الخلائق على سبيل الاستقلال عداه (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف).
    والعملي:
  4.  فلا معبود يستحق العبادة إلا إياه (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة 5).
  5. ولا يُرجى غيره (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء 57).
  6.  ولا يتوكّل إلا عليه (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (الشورى 10).
  7.  ولا يُخاف إلا منه (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (الرعد 21).
  8. ولا يبدأ الحبّ إلا به ولا ينتهي إلا إليه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (البقرة 165)؛ ولا انفكاك بين حب الله ورسوله ولا يكون أشدّ الحبّ إلا لهما (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة 24).

   ثم إنّ التوحيد أصل النّظم الإسلامية وصبغتها ومنطلقها جميعاً:

  • فالسياسة في الإسلام توحيديّة ترجع بالحكم إلى الله تعالى:(مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف 40).
  • والاقتصاد في الإسلام توحيديّ ينسب الملك بالأصالة إليه سبحانه (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (فاطر 13).
  • والاجتماع في الإسلام توحيدي والتربية توحيدية.
  •  ثمّ إنّ هذا التوحيد هو سرّ الأسرار ومنبع الأنوار في وحدة الهويّة للأمة الإسلامية وبحق قيل:(الإسلام هو كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة).
  • أنها تنبع قيمياً من القيم الإنسانية التي تبنّاها الإسلام وأغناها كقيم الحريّة والعدالة والكرامة، ومن القيم الدينية التي أضافها إلى قائمة القيم وجعلها ملاكاً للتمايز بين البشر في مراتب الإنسانية كقيمة التقوى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة 197).
  •  وأنها تنبع تشريعياً من المنهج الإسلامي التشريعي الغنيّ بالعبادات المتألقة صيغاً وآثاراً وأسراراً كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد والبعد الاجتماعي لها وبالعقود والإيقاعات وبدوائر الأحكام التكليفية وجوباً وحرمة واستحباباً وكراهية وإباحة وأطر الأحكام للأوضاع الاجتماعية كالزواج والطلاق والقانونية كالقصاص والحدود والديات والمالية كالإرث.
  • وأنها تنبع عاطفياً من الارتباط بالله تعالى والانطلاق من حبه الى حبّ خيرة خلقه من الأنبياء والأولياء إلى حب جميع خلقه لأنهم صنع الجميل المطلق والنظراء في الخلق :(الناس صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق) (نهج البلاغة – خ 53).
  • وأنها تنبع حضارياً من إيجابيات التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية التي أظلّت الأرض قروناً.
  • وأنها تنبع سلوكياً من احترام أتباع الديانات السماوية وشركاء الوطن على اختلاف رؤاهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعاون معهم تحت سقف بناء الأوطان وصون أراضيها وحفظ استقلالها والوقوف في وجه أعدائها المتربصين بها والساعين إلى تمزيقها وتدمير وحدتها، وفتح آفاق التقدم أمامها.
  •  وأنها تنبع عالمياً من الدفاع عن المستضعفين (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء 75).
  •  ومستقبلياً من استشراف دور الأمة بقيادة إلهية موعودة والتهيئة والإعداد لنشر العدل والرفاهية والكرامة مقابل الجور والإفقار والإذلال الذي تمارسه قوى الحلف الاستكباري الصهيوني وذيوله في العالم.

ثانياً - روح المقاومة:

  1. المقاومة سنة إلهية:
    ندب إليها القرآن الكريم في مواجهة الباطل مستنفراً قوى الحق على مرّ التاريخ وسمّاها سنّة الدفع واعتبرها أعظم حائل دون فساد الأرض (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة 251)، واعتبرها كذلك سرّ بقاء الصروح الدينيّة المشعّة في تاريخ الدين وتعاقب الشرائع قائمة شامخة متألّقة (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج 40).
  2. ومما يُزكّي هذه الروح قرآنّياً:
  3.  آيات القتال في سبيل الله تعالى كما في قوله تعالى:(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة 190).
  4. وآيات عدم الركون للظالمين (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود 113).
  5.  وآيات الولاية الإيجابية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة 55).
  6. والسلبية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) (الممتحنة 13).  
  7.  ومما يرود لهذه المقاومة ويُجسّدها عمليّاً ويسبغ عليها وضوح الهدف ونقاء الوسيلة:
  8.  مقاومة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهجمات الشرك واليهودية المتحالفة معه ومقاومة حلفائه الأوائل للردّة وتداعياتها وللإمبراطوريات الكبرى وتابعيها تحريراً للشعوب من سيطرتها.
  9. ومقاومة الإمام عليّ عليه السلام لمحاولات تهديم الأمة من الداخل وتفريغ الدين من محتواه الإنساني والقيمي.
  10.  وَقال له بعض اليهود ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه فقال عليه السلام له: إنّما اختلفنا عنه لا فيه ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنّكم قومٌ تجهلون (نهج البلاغة خ 317).
  11.  (فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّدٍ صلى الله عليه وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم الّتي إنّما هي متاع أيامٍ قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشّع السّحاب فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل زهق واطمأنّ الدّين وتنهنه (نهج البلاغة. من كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها).
  12.  ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره الخليفة عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم: وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لِأَهْلِ هَذا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ تغلّب أعدائه. ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.
    وَالَّذِي نَصَرَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لاَ يَمُوتُ.
    إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ بِشَخْصِكَ فَتُنْكَبْ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ  دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ.
  13. ومن كلام له عليه السلام وقد استشاره الخليفة عمر ابن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلاَ خِذْلاَنُهُ بِكَثْرَةٍ وَلاَ بِقِلَّةٍ، وَهُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ، وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ، حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ، وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ، وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللهِ، وَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ.
    وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ: فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ وَذَهَبَ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعُ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً.
    وَالْعَرَبُ الْيَومَ وَإِنْ كَانُوا قَلِيلاً، فَهُمْ كَثِيرُونَ بَالْإِسْلاَمِ، عَزِيزُونَ بَالْإِجْتِماعِ! فَكُنْ قُطْباً، وَاسْتَدِرِ الرَّحَا بِالْعَرَبِ، وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ، فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ.
    إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا: هذا أَصْلُ الْعَرَبِ، فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ، فَيْكُونُ ذلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ، وَطَمَعِهِمْ فِيكَ.
  14. ومقاومة الإمام الحسن عليه السلام لنار الفُرقة الجاهلية التي كادت تعصف بالإسلام وتقضي على وحدة الأمة.
  15.  ومقاومة الإمام الحسين عليه السلام لاستعباد الأمة وتحويل الخلافة إلى ملك عضوض يستحضر قيم الجاهلية ويتحدّى قيم الإسلام، وقد استطاع هذا الإمام العظيم الشهيد في كربلاء أن يضخّ بدمه ودم أهل بيته وصحبه وبحضور النساء والأطفال في ثورته في عروق جسد الأمة على مدى التاريخ كلّه روح المقاومة على الرغم من التقتيل والتنكيل والتمثيل الذي أنزل بهم.
  16.  ومقاومة الأئمة (عليهم السلام) جميعاً لكلّ ألوان الهجوم الفكري لأعداء الإسلام ومحافظتهم على الإسلام نقياً من دنس أولئك وعلى روح المقاومة في الأمة.
  17. خريف الأمة:
    لم تلبث الأمة بعد إذ ابتعدت عن إسلامها واستسلمت للضعف والتخلف وسمحت لعوامل التمزّق أن تنهش جسدها وضعفت روح مقاومتها أن ترّدت من حالق وسقطت في مهاوي التأخّر بعد أن كانت رائدة التقدّم والتحضّر.
  18. انبلاج فجر المقاومة:
     إذا كانت روح المقاومة لم تتبدّد لكنها كانت بحاجة إلى تجلًّ عظيم ينفحها بالمزيد والمزيد من التوقّد وكان الموعد مع الفجر بعد ليال عشر يطلع من طهران ليزفّ للأمة زمناً جديداً بانتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة العبد الصالح الخمينيّ رضوان الله عنه وانبثاق جمهورية إسلامية تُعيد للإسلام الحقيقيّ الواقعيّ المنفتح الذي منّ به الله على المسلمين في قوله تعالى:(...الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة 3) ،  دوره وفاعليّته وسماته المتألّقة وحيويّته المتدفّقة وسماحته المترقرقة  وقد تعانق فيه الدين والعقل وتناغم فيه الإيمان والعلم، لكنّها قامت إلى ذلك بدورين كبيرين في حياة الأمة:
    الدعوة إلى وحدتها عملاً بقول الله تعالى:(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء 92) ،(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنين 52)، والنداء بهذه الوحدة بإطلاق مؤسسات ومؤتمرات ولقاءات فضلاً عن طرح الأبعاد السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة لهذه الوحدة وتبنّيها؛ مقابل إصرار قوى لها قدراتها التمويلّيّة والتأثيريّة على الصمم عن تلك الدعوة وذلك النداء وعلى العمل على تفتيت الأمة وتمزيق وحدتها خدمة لأعدائها، وحسبنا قضيّة الحج حين طرحت الثورة الإسلاميّة فهمها له باعتباره فريضة عباديّة سياسيّة ينبغي أن توظّف في خدمة وحدة الأمة وعزّتها واستقلالها ودعت إلى حوار جادّ حولها فكان الردّ مذبحة نُفذّت بمساعدة استكبارية من أعداء الإسلام ومباركة من منظّمة التعاون الإسلاميّ.
  19. تدقيق لوحدة الهوية:
  20. تنقيح روح المقاومة:

ثالثاً – دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهويّة:

  1.  الأبعاد:
     إن روح المقاومة حين تسري في الأمة الإسلاميّة بكلّ ما تتسم به من وحدة الهوية تصل بها إلى قمّة الفاعلية وتجعلها على الاختراق عصية فتنتصب في مواجهة الأعداد شامخة أبية وتجعل كل التنوّع في رؤاها عامل غنى وخصب لا أداة تمزيق وجدب ومن أبعاد هذا الدور:
  2. تشخيص العدوّ وتوجيه البوصلة نحوه.
  3.  ضرب العدوّ الاستكباري الصهيوني وامتداداته وذيوله.
  4. إنضاج الوعي والحذر من أحابيل الأعداء.
  5. تأكيد المشتركات والنأي عن الغرق في الفوارق والتباينات.
  6. وحدة الخندق الممهورة بالدماء والتضحيات.
  7.  التعاضد والتكامل وتبادل الخبرات.
  8.  رفض التعصب المفتّت للطاقات سواء القومي منه أم الإقليمي أم الطائفي.
  9.  تبني وحدة المعركة ورفض الانجرار إلى معارك جانبية.
  10.  وحدة الهدف وهو انتصار الأمة في حفظ كرامتها ودينها وأرضها.
  11. وحدة الدور وهو إنقاذ البشرية من الأخطبوط الاستكباري الصهيوني وذيوله.
  12. أهمية الدور:
     إذا كان دور روح المقاومة في تشكيل وحدة الهوية للأمة الإسلامية متكاملاً مع أدوار أخرى كدور الصحوة الإسلامية المعاصرة ودور الانتصارات الإسلامية وسواها فإنه يمتاز بكونه يتبادل التأثير معها، فالصحوة الإسلامية فتّقته وأعادته إلى جسد الأمة نابضاً حياً على الساحة العالمية وهو أضفى عليها نكهته المميزة وألقه وعطره؛ فلا معنى لصحوة إسلامية لا تتبنّى خيار المقاومة ولا بقاء ولا نقاء لها بالخضوع لخيار المساومة.
    وهكذا فإن الانتصارات الإسلامية التي أنهت تاريخ الهزائم في حياة الأمة حديثاً لم تكن إلا الثمرة اليانعة والهدية الإلهية لعودة روح المقاومة وتجلياتها في ضمير الأمة وانبثاق تلك الثلة الرائعة الساطعة في لبنان وفلسطين حقيقة واقعة على الأرض بقيادتها وأبطالها وأدائها وبراعتها وتدريبها وتطويرها لخططها ووسائلها وما أتيح لها من الدعم من حلف الممانعة والمدافعة على حين تخلى عنها وتبرّأ منها كلّ الأنظمة العربية والإسلامية التي دعت في الأربعينيات المقاومة في فلسطين إلى أن ترمي سلاحها لأن الأنظمة ستتكفّل بالقضاء على الدويلة الصهيونية الوليدة وكان أن قضي على المقاومة وقضي على كل أحلام الانتصار وهُجّر أغلب الشعب الفلسطيني من أرضه ووزّع في المهاجر والمنافي وبلدان الشتات.
    ولا زالت تلك الأنظمة تُزيّن مبادراتها في المفاوضة والمسالمة والتطبيع وفلسطين تُقضم والقدس تُهوّد.
  13. المؤامرة على روح المقاومة ووحدة الهوية:
  14. الفرقان في مستقبل الأمة الإسلامية:
     يُضيء لنا ما سبق الواقع الذي تحياه الأمة الإسلامية وأنها في مرحلة تنسجم وما سماّه القرآن يوم الفرقان (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الفرقان 41).
     وهو ما أشار إليه بحق الشيخ الآصفي في بعض تحليلاته لواقع الأمة بعد الثورة الإسلامية.
     امتاز في هذه المرحلة فريقان أو توجّهان أو تياران واحد يحرص على وحدة هويتها وينحاز لخيار مقاومتها وآخر لا يبالي بوحدتها بل يعمل ليل نهار وتنفيذاً لإملاءات الاستكبار والصهيونية على تمزيقها ونفي مكوّن أساس فيها والقضاء على كلّ ما كان من انسجام بين مكوّنيها الرئيسين فما بالنا بمختلف التوجّهات فيها وما شأن مكوّنات أوطانها دينياً كالمسيحيين وسياسياً كالقوميين واليساريين وكذلك ما يُسمّى الأقليات أليس من الأجدى استيعابها ضمن مشروع واسع رحب للحفاظ على الأوطان من شرّ التشظّي والتمزّق والتفتّت ؟ .
    ثم يقوم هذا الآخر وقد اصطفّت فيه الأنظمة العربية والإسلامية وحركات ترفع الإسلام شعاراً كما أشرنا بعضها قديم وبعضها طارئ وافد تدعو جميعاً إلى المسالمة والمساومة وتقبّل كلّ ألوان الاتفاقات والتنسيقات بل التبعية للغرب الاستكباري وحليفه الصهيوني.
     وينحاز هذا الآخر ضدّ المقاومة ويحاول أن يجتذب بعض المقاومة بعنوان طائفي إلى جبهته ومنهجه وأسلوبه.
  15. الأمة والامتحان:
     تقف الأمة الإسلامية كلّها على مفترق الطريق ولا يبقى ثمّة إلا أن تختار بين الفريقين أو التوجهين أو التيارين:
     فإما إلى ما يحفظ هويتها ويدعم مقاومتها؛ وإما إلى ما يبدّدها ويُمزّق نسيجها ويقضي حتى على روح المقاومة فيها فتستسلم مزقاً وأبعاضاً لعدوّها وتخرج من مسرح التاريخ إلى أمد لا يعلم إلا الله مداه.
     ولكننا نتفاءل بأن سنّة الله ستحكم وتقضي بالحقّ (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة 21).
    وأن النصر في ختام المطاف إنما هو للمؤمنين الذين نصروا الله بحرصهم على وحدة أمتهم وبحفاظهم على روح المقاومة فيها فاستحقوا نصر الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد 7).
    وأن وعد الله للمؤمنين الذين عملوا الصالحات - وأصلحها الحرص على وحدة الأمة ومقاومتها – لن يتخلّف أبداً (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور 55).
     وأنّ الأمة على طريق مطلع الفجر الذي سينبلج عن المنتظَر المنتظِر الذي أعدّه الله تعالى ليقود مسيرة المنتظرين الممهدين ومن ثمّ البشرية بأكملها إلى حيث يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ويؤيّده في ذلك روح الله ونبيّه عيسى بن مريم عليه السلام مصداقاً لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح عيسى بن مريم وإمامكم منكم؟).
  

قرأت لك

كتاب: الوحي والنبوة المؤلف: مرتضى مطهري (مفكر إسلامي)

متابعة القراءة