تطريزات دمشقية على العباءة التسخيرية

مقالات

2021/01/09

title

                  

تطريزات دمشقية على العباءة التسخيرية

 

هذا المازندراني مولداً، الإيرانيّ مَحتِداً، النجفيّ مورداً، التقريبيّ أعماقاً و ظهوراً، العالميّ آفاقاً و حضوراً، العالم الأديب، و البارع الأريب.

إنه التسخيريّ الذي سخّره الله، و سخّر له قُواه، عقلية ً وعلمية و بيانية و تدبيرية، فكان الرحّالة في سبيل الله، و في حبّ خلق الله، و في خدمة مدرسة أحباب الله، و يكاد يصدق فيه قول الشاعر- لولا ذيل البيت:

                     أخي سفر جواب أرض تقاذفت               به فلوات  فهو أشعث ُ أغبرُ     

 (  بل أزهرُ أنضرُ )

و حسبه أنه جُمع له في اسمه محمد علي أن يستظلّ بظل محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم، و أن يستروح عبق علي عليه السلام، و يصدق فيه:    

  ( لكلّ مسمّى من اسمه نصيب )

و الأجدر أن يُقال إنه ممن تحقّق فيه بعض من مؤدّى آية، خوطب بها أسوتنا جميعاً، سيّد الخلق و خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم:

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ }الشرح7

فهو يكاد لا يفرغ من مسؤولية، و مهام منظمة محورية، دعويةً  كانت أم ثقافية أم سياسية إلا نُدب لأخرى، من قِبل الإمام الثائر المؤسس و القائد الباني المُكرّس لأول دولة إسلامية، و أرحبها رؤية في عصر يُحاصر فيه الإسلام من أعدائه، و يُقدّمه (أضيق ما يكون) بعض حملة لوائه، إيران الثورة و إيران الدولة و إيران الإسلام و إيران الإنسان، التي تحمل همّ العالم في صبوته المستمرّة المتجدّدة إلى العدل، و همّة التمهيد لدولة القسط العالمية على يد منجي البشرية أكرم السلالة النبوية و نفح الذات المحمدية و خلاصة المسيرة الإمامية.

إيران التي خلعت رِبقة الشاه و أحلامه الإمبراطورية، و تبعيته للأطماع الغربية الاستكبارية  والأحابيل الصهيونية العنصرية، و أعلنتها بصدق و فعّلتها بحق، تمسكاً ببوصلة القضية الفلسطينية و منهج المقاومة الإسلامية و الانفتاح على حركة التحرر العالمية، فرجمها بالقذائف و الصواريخ بعض عرب و مسلمين، ودعم المؤامرات و الحرب المجنونة عليها بالمال جملة من في المنطقة من الحاقدين، و بكل الوسائل الاستخبارية و التقنية جميع المستعمرين و المغتصبين، و دمّروا بناها التحتية و قتلوا مئات الآلاف على صعيد القاعدة البشرية، و المئات على مستوى النخب القيادية، ثمّ أحكموا - بدعاوى مصطنعة كاذبة - من حولها الحصار، و أثاروا في وجهها الغبار، بألوان قومية و طائفية، و حاكوا لها أصنافاً من الحروب مشبوبة الأوار، بواجهات ثقافية و إعلامية، و راحوا يُكرسونها العدو، و هي الصديق الصدوق، و لكنها ازدادت  بتوفيق الله تعالى، و باستقامتها على الصراط شموخاً، و تطوّرت علمياً و طبياً و تسليحياً، وانتصبت لاعباً إقليمياً و عالمياً، و لن تزال تبطل لعبتهم و تُفشل مكيدتهم، و تتألق حباً للعرب المخلصين و المسلمين الصادقين و العلماء العاقلين و البشر أجمعين.

وعوداً إلى التسخيري، إذ يتسابق فيه حظ القلم يخطّ به مئات المقالات و يُدبّج عشرات الكتب، و حظ الخطابة يتسنّم ذراها و يرتقي منابرها في شرق و غرب و شمال و جنوب، و يرود مؤتمراتها و يورد الظماء فيها منهله العذب و مورده الخِصب، و قد يكون فيها أمة وحده ممثلاً مدرسة أهل البيت عليهم السلام في جامعيتها و ألمعيتها عقيدة و فقهاً، و يُدلي بدلوه في المسائل الحادثة و المستحدثة، و يترك لعربيته الأدبية البليغة المصقولة أن تستقطب قلوب الناطقين بها وعقولهم، و يُترجم بها بعض ما يروقه عن أعلام الحوزة العلمية، مما خطّوه باللغة الفارسية في بناء الذات الإنسانية.

و يُقدّم تحليلاته المتقنة لجوانب المنظومة الإسلامية اقتصاديةً وسياسية واجتماعية.

و لكنّ حبّه الأول في هذه المسيرة الفكرية، إنما كان للقرآن الكريم، أعظم هدية ربانية و نبراس الهدى للبشرية، فخصّه - وأخاه في هذا الحبّ و تلك المسيرة الشيخ محمد سعيد النعماني- بتفسير يُقرّب المفاهيم الإلهية إلى متناول الفهم لدى البشرية.

و لقد استأثر بمنهجه في الفهم و التحليل أستاذه (الشهيد السعيد العلامة السيد محمد باقر الصدر) صاحب العبقرية الاستثنائية، الذي أضاء السماء الإسلامية، و حُشرت له آفاقها الفكرية و توءم ذلك برحلته الجهادية و ذروته الاستشهادية.

وهنيئاً للتسخيري التلميذ بذلك الأستاذ و الأساتذة الكبار الآخرين، و للتسخيري الأستاذ أن صبّ طاقته أجمع في خدمة الجمهورية الإسلامية و قيادتها العالِمية، و كان من أبرع و أصدق من عمل بوصية ذلك الشهيد الكبير:

                            ( ذوبوا في الخميني كما ذاب في الإسلام )

و هنيئاً له أن تابع المسيرة بعد رحيل الولي الفقيه السلف، في ظل قيادة الولي الفقيه الخلف، جندياً لا يتقهقر في الساح، و ينتضي لخدمتها علمه و فكره و بيانه و هي أمضى سلاح.

و لعل التسخيري و قد هيض من جسمه الجناح، أنموذج نادر و مثل حاضر لنسر لم تهن عزيمته و لم  تتبدّد قواه، فأدمن التحليق و أدام الطواف من ذروة إلى ذروة، يتألق على رغم ما طرأ على طلاقة اللسان، و يتدفق بالفكر و العلم و البيان.

 وإذا كان قد حمل الراية التقريبية، التي تضافرت عليها أيدي الرواد كالشيخ عبد المجيد سليم و الشيخ محمود شلتوت والشيخ المدني و الشيخ الغزالي و سواهم في مصر الكنانة، تعانقها يد كريمة امتدت من الإمام السيد البروجردي  في شخص الشيخ القمي، و تصدى لحملها حقبة مباركة الشيخ الواعظ الخراساني، فإنه أضفى على سيرورتها، و قد صارت محور همّه و همته، مزيداً من التنظيم و الفاعلية و نفحاً من التطوير و الحيوية، حتى ليصدق فيه المثل العربي:

  • أُعطيت القوس باريها- و لن تتراجع المسيرة، و إن انكفأ بعضهم عنها، و تخلّوا عن آفاقها، بعد إذ انداحت دائرتها، لتشمل علماء عقلاء من كل أفق، لأنها تنسجم و رحابةَ الإسلام و عمقه، و روحه و ذوقه، و لأنها من أرضى ما يرضاه الله و رسوله للمسلمين، و لأن فيها العصمة و النجاة والزلفى للمؤمنين، عملاً بالشعار القرآني:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92

                                              {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }المؤمنون52

 و تحذير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) و تنويه أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام:(الناس صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخـَلق)

فامض أيها التسخيري العزيز إلى ما فيه رضا الله ورسوله و أهل بيته الأطهار و صحبه الأخيار،و ما فيه خير البشر أجمعين، زادك الله علماً و عملاً، و فسح لك قدرة و أجلاً.

     { وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يونس10

                       دمشق المحروسة الدكتور الشيخ نبيل الحلباوي

 

  

قرأت لك

كتاب: الوحي والنبوة المؤلف: مرتضى مطهري (مفكر إسلامي)

متابعة القراءة