شخصية الإمام الخميني القرآنية

مقالات

2020/09/08

title

شخصية الإمام الخميني القرآنية

 

تمهيد

تثير دراسة شخصية الإمام الخميني القرآنية إشكالية مركبة طرحت أو ينبغي أن تطرح في دراسة الشخصيات المنتمية إلى الإسلام في فكره وحركيته وأبعاده السياسية والاجتماعية وتتمثل في:

  1. مدى مرجعية القرآن الكريم لمواقف تلك الشخصيات وأقوالها وحركاتها وسكناتها ومسيرتها من البداية إلى النهاية.
  2. مدى قدرة الإنسان المعاصر البعيد عن أجواء بدايات الدعوة الإسلامية وبعد كل ما طرأ على الحياة الإنسانية من تعقيدات واختلط بها من مؤثرات وما يواجهه الإسلام من تحديات، على أن يقترب أكثر فأكثر من تجسيد الشخصية القرآنية في فطريتها من جهة وخصائصها الغنية من جهة أخرى.

ولا يمكن لبحث وجيز أن يعالج أبعاد هذه الإشكالية انطلاقّاً إلى النتائج المتوخاة في دراسة شخصية كشخصية الإمام الخميني، وبحسب هذا البحث إذن أن يكون مدخلاً لهذه الدراسة ولعله يحفز كاتبه أو قارئه أو سامعه إلى تسطير كتاب بهذا العنوان ينفسح لدراسة أشمل وأكمل وأمثل في مقبل الزمان بتوفيق من الرحمن وهو المنان المستعان.

 

مقدمة في المصطلحات:

  1. الشخص والشخصية: يبدو أن ثمة فرقاً بين أن يقال (شخص) فيشار إلى ما يشخص ويبرز أمام من يسمعه أو يراه لأول وهلة ولمدة يسيرة من الشكل وقسمات الوجه ونبرة الصوت وحركات اليدين والجسم.

وأن يقال (شخصية) مما يتجاوز ما سبق وإن لم يهمله أو يتخلى عن الإفادة منه على قاعدة أن الآثار البارزة خصائص وسمات تشكل بمجموعها أرضية وبيئة وخلفية لكل ما سبق يمكن أن نطلق عليه عنوان (شخصية الإنسان).

والفروق كثيرة إذن بين الشخص والشخصية لعل أبرزها:

  1. أنّ الشخص يزول ويفنى لكن الشخصية باقية.
  2. أنّ تأثير الشخص آني موضعي ولكن تأثير الشخصية أرحب وأبعد.
  3. إن صفات الشخص مما يمكن أن يلتقطه الحس والآلة لكن صفات الشخصية مما يدرك بالعقل والفهم.
  1. الشخصية في منظور الأدب والعلم: شغلت شخصية بعض المشهورين الأدباء فحاولوا رسمها في فن أدبي هو (فن السيرة) بقلم البيان وأضفوا عليها شيئاً من انطباعاتهم ومشاعرهم السلبية أو الإيجابية ولم يخل فنهم من المبالغة وهي من خصائص الأدب.

لكن العلم ولاسيما علم النفس لم يألُ جهداً في دراسة الشخصية عموماً دراسة تنحو باتجاه الموضوعية وتفيد من علوم أخرى، ويلاحظ على الدراسة العلمية للشخصية أنها أبرزت جانباً من الشخصية الإنسانية حيناً على حساب جوانب أخرى ولجأت إلى التعميم كما هو دأب العلم واهتمت باكتشاف الأنماط والسمات.

  1. القرآن والشخصية: ليس من المقبول في حكم العقل أن يُجتزأ في دراسة الشخصية الإنسانية بما يقوله الأدب والأدباء ولا بما يقوله العلم والعلماء وأن يُغفَل ما قاله رب الكون والأحياء ولاسيما ما يتعلق بمخلوقه ومربوبه الإنسان من معجز العلم والبيان في محكم القرآن:} أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ (الملك 14)، }الرَّحْمَٰنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ {(الرحمن).

وحسب أفذاذ العلماء أن يُصغوا إلى عالم من أكابرهم هو ألكسيس كاريل المتميز في بيولوجيا الإنسان الذي جمع نتائج أبحاثه المضنية على هذا الصعيد الضيق ونتائج نظرائه من العلماء، لينتهي إلى عنوان (الإنسان ذلك المجهول).

ومن أساليب القرآن في دراسة الشخصية الإنسانية:

  1. رسم النماذج الإيجابي منها كالأنبياء وسيدهم محمد والقادة الإلهيين كطالوت والمؤمنين المضحين كمؤمن آل فرعون، والسلبي كفرعون وقارون.
  2. تعداد الصفات كصفات المؤمنين والكافرين والمنافقين.
  3. الخطابات المصدرة بـ (يا أيها الإنسان) و(يا أيها الناس) و(يا أيها الذين آمنوا)، وما تعالجه من شؤون وما تدينه من نقائص وما تدعو إليه من كمالات.
  4. بيان مراتب الارتقاء كما في ذكر المحسنين والمفلحين والمخبتين وما يقابلها من دركات الانحدار.

الشخصية القرآنية: يرمي هذا المصطلح إلى عنوان جامع يترسّم الصفات الإيجابية التي ينبغي أن تتوافر في الإنسان ليستحق المكانة اللائقة به والموقع الذي أعدّه الله له يوم قال ربه للملائكة:}وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ {(البقرة30)، وأمرهم بالسجود له }فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ{ (ص 72) ونوّه بتحمله ما عجزت عنه السموات والأرض }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا{ (الأحزاب72) ، ودعاه إلى اتخاذ الشيطان عدواً}إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير{ (فاطر6)

 

المبحث الأول: عوامل شخصية الإمام الخميني القرآنية

  1. علاقته بالقرآن: توءم الإمام في علاقته بالقرآن الكريم تلاوة وما وراء التلاوة بين تخصيص أوقات يومية ثابتة_ وهو من هو تنظيماً للوقت ودأباً ومثابرة_ من جهة وتلاوة القرآن كلما سنحت له الفرصة من آناء الليل وأطراف النهار من جهة أخرى.



  2. تدبره للقرآن: وكان الإمام ممن يلتزم ويوصي بتدبر القرآن وفي رسالته إلى السيدة طباطبائي زوجة ابنه أحمد يوصيها استجابة لطلبها قائلاً:

(حاولي التدبر في القرآن الكريم هذا المعين للفيض الإلهي، فعلى الرغم من الآثار المؤنسة المترتبة على قراءة حروف القرآن الذي هو رسالة المحبوب إلى المستمع المحجوب غير أن التدبر في آياته يهدي الإنسان إلى مراتب أبعد وأسمى) }أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ (محمد24)، ومالم تُفتَح هذه الأقفال ومالم تُزَل هذه القيود فلن تتحقق النتائج المرجوة.

 

  1. تفسيره للقرآن: لم يقدّم الإمام تفسيراً للقرآن لكنه كان محيطاً بالعلوم القرآنية، وله بحوث في التفسير وردت في ثنايا كتبه الفقهية والأصولية والعرفانية والأخلاقية، وقد جُمعت في خمسة مجلدات وقد شرع بعد الثورة في تفسير القرآن وقدّم نموذجاً تفسيرياً في سورة الحمد يمتاز بالعمق والخصب إلا أن ظروفاً حالت بينه وبين متابعة التفسير.
  2. تخلّقه بالقرآن: كان الإمام الخميني من كبار مدرسي الأخلاق وأستاذاً لمدرسيه، وتكفينا شهادة الشهيد مطهري الذي كان يقول: إن نكهة درس الإمام في الأخلاق لم تكن تفارقه طيلة الأسبوع إلى أن يحين موعد الدرس التالي لكن السرّ الأبرز لذلك إنما كان تخلّقه بأخلاق القرآن.
  3. عمله بالقرآن: كان الإمام عاملاً بأوامر القرآن وداعياً إلى تطبيق أحكامه ومدافعاً عنها في وجه الشاه وبطانته البهائية، وكان يرى أن رفعة المسلمين في الماضي وعزّتهم في المستقبل رهن بعملهم بالقرآن.

    وطالما وعظ الإمام الأمة بالموعظة الإلهية القرآنية التي اعتبرها أساس النجاح ومفتاح الفلاح }قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ۖ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ{ (سبا 46).

 

المبحث الثاني: معالم شخصية الإمام القرآنية

  1. سيرته الشخصية من خلال شهادات ذوي العلاقة القريبة به مصنفة من قبل الباحثين:

من أساليب الاقتراب من شخصية ما لتلمّس بعض أبعادها تعقب التفاصيل الجزئية اليومية لتصرفاتها ومواقفها من خلال شهادات من عاين تلك الشخصية عن قرب، وقيمة هذه التفاصيل أنها عن حسّ لا عن حدس، وأنها تظهر مكنونات الشخصية وتُبدي ما هو خفيّ منها، وتمكّن من الحكم عليها بدقة أكبر وبعيداً عن العموميات والعواطف والتخيلات، ومما يُحسب لباحث مثابر هو غلام علي رجائي صبره على جمع هذه التفاصيل من عدد من المراجع وتصنيفه لها في ثلاثة كتب بحيث تُصوّر جوانب من شخصية الإمام بعنوان (قبسات من سيرة الإمام الخميني) وقد خُصص الكتاب الأول منها لحياة الإمام الاجتماعية والثاني لموقفه وموقعه من العلماء والمرجعية الدينية والثالث لقيادة الإمام وخصائصها على النحو الآتي:

كتاب قبسات من سيرة الإمام الخميني

  1. الحياة الاجتماعية:

الفصل الأول: الإمام مع أفراد أسرته: مودّة ورفق، حريّة وإرشاد والتزام.

الفصل الثاني: الإمام مع الأمّة: ثقة وتكريم، مواساة وخدمة وإحسان.

الفصل الثالث: الإمام مع المجاهدين: عشق وتقدير ومؤازرة، ورعاية خاصة لهم ولعوائلهم.

الفصل الرابع: الإمام مع الشهداء: تمجيد وإجلال، ورأفة واهتمام بعوائلهم.

الفصل الخامس: الإمام مع المحرومين والمستضعفين: يعمل لأجلهم، يحمل همومهم، يدافع عن حقوقهم وآمالهم، يوصي بهم ويوقرهم.

الفصل السادس: الإمام مع أصدقائه وأصحابه: الأنس بهم والوفاء لهم، حمايتهم من الأخطار وتفقّد أحوالهم.

الفصل السابع: الإمام وحقوق المرآة: دورها الاجتماعي وضوابطه.

الفصل الثامن: شذرات من وصايا الإمام في تعظيم الخالق وخدمة الخلق.

الفصل التاسع: الإمام في أيامه الأخيرة: صبر على شدائدها وسكينة في استقبال الموت.

ويبرز هذا الكتاب مدى انسجام الحياة الاجتماعية للإمام مع الضوابط القرآنيّة، والشمائل النبويّة والإماميّة باعتبارها قرأناً متحركاً ونكتفي في هذا الصدد بعلاقته بأسرته فلنقرأ غيضاً من فيض من عناوينها:

  1. يُعدّ الشاي لزوجته وضيفتها.
  2. يُدرّسها العربيّة والفقه.
  3. لا يظهر عليه الفرح ولا يضحك مادامت زوجته مسافرة.
  4. لا يأكل حتى تجلس زوجته إلى الطعام.
  5. لا يأمر زوجته حتى بإغلاق الباب ولا بإعداد الشاي له ولا بكيّ القميص له وإنما يطرح طلبه السهل هذا بصيغة السؤال: هل لدينا قميص؟
  6. لا يتدخل في شؤون أولاده وبناته بعد إذ ربّاهم وهذّبهم وإنما يمنحهم الثقة ولا يهتم إلا بأن يوصيهم بالقيام بواجباتهم الدينية واحترام والدتهم وإكرامها وخدمة خلق الله تعالى.

ألا نجده في ذلك كله ينهل من معين القرآن ويترجم في علاقته بأسرته قوله تعالى }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{ (الروم 21)، وقوله تعالى في النساء}هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ{ (البقرة187) وقوله عز من قائل}وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا{(النساء 19) وفي الأولاد }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ (التحريم 6) والدعاء القرآني }وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{(الفرقان74)، وقول الرسول الكريم( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وقوله في النساء( ما أكرمهنّ إلا كريم وما أهانهنّ إلا لئيم).

وسأكتفي بتجربتين عشتهما في علاقة الإمام بمحبيه:

أولاهما: كنا ندرس العلوم الدينية في قمّ المقّدسة ورُتّب لنا معشر الطلبة اللبنانيين والسوريين موعد للحضور في حسينية جمران ضمن لقاءات الإمام بالناس وانطلقنا متأخرين لأسباب شتى ولم نصل طهران إلا بعد انتهاء اللقاء، وحين أبلغ الإمام بما حصل وعلى الرغم من دقّته العظيمة في احترام المواعيد ورعاية النظام فإنه رجع مرة أخرى إلى الحسينية وأطلّ علينا بقامته الملكوتية وروّى ظمأ قلوبنا.

ثانيتهما: كان للإمام في كل أربعاء على مدى أسابيع كثيرة من السنة موعد لتتويج طلبة العلوم الدينية بالعمامة. وكنت مشتاقاً أن أُتوَّج على يديه بالعمامة لكنني لم أوفّق إلى ذلك إلى أن كان يوم خميس ونزلت إلى طهران، وصادف أن كان فيه ذكرى مولد الإمام الحسين عليه السلام وهو يوم عطلة، وحين نُقل إلى الإمام أنّ هذا الطالب جاء ليتعمم استجاب بتواضعه لهذا الطالب وحضرت إلى بيته وتلطّف بتتويجي بالعمامة، وهو لطف لا أنساه طيلة حياتي وأستشعر المسؤولية العظيمة التي أحملها بنتيجة ذلك.

  1. الإمام في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية:

الفصل الأول: الإمام ودفاعه عن حرمة العلماء والمرجعية الدينية.

الفصل الثاني: الإمام الأستاذ في ميدان التدريس:

القسم الأول: المقام العلمي للخميني الأستاذ.

القسم الثاني: تربية تلاميذه على النزعة التحقيقية وحرية التفكير.

القسم الثالث: أساليبه في التدريس.

القسم الرابع: النظم والجدية والإخلاص في التدريس.

القسم الخامس: سيرته في التعامل مع تلاميذه.

الفصل الثالث: الإمام واجتنابه المرجعية التي تزينت به.

الفصل الرابع: الإمام المربي الأخلاقيّ للحوزة:

القسم الأول: دروسه في الأخلاق وآثار مواعظه على سامعيها.

القسم الثاني: نماذج من مواعظه ووصاياه لطلاب العلم.

وسنكتفي هاهنا بالفقرة الأولى وهي موقفه من أساتذته بخاصة والمراجع الدينيين والعلماء عموماً ولنقرأ هذه العناوين الجزئية:

  1. احترامه العظيم لذكر أساتذته كالمرحوم الشاه آبادي وقوله حين يذكره: روحي فداه، والميرزا جواد ملكي التبريزي ومسحه قبره بذؤابة عمامته، وسعيه لتثبيت مرجعية الشيخ عبد الكريم الحائري في قم، ودفاعه عن مرجعية السيد البرجوردي على الرغم من اختلاف وجهات نظرهما فيما بعد على صعيد بعض المواقف السياسية، وزيارته المرجع الكبير السيد محسن الحكيم_ حين كان الإمام منفياً في النجف_ على الرغم من منع الحكومة العراقية زيارته تضييقاً عليه، ولم يزره سواه من العلماء الكبار، ورفضه أن يُغتاب أيّ عالم ولاسيما المعارضين له في مجلسه أو أن يُذكر بسوء.
  2. ويظهر من مواقف الإمام مدى التزامه بآداب الشخصية القرآنية من احترام مقام العلم كما التنويه الرباني …}يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{(المجادلة 11)، وقوله تعالى }وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ{(الشعراء183)، وقوله عز من قائل}...وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{(المائدة 8).
  3. ويمكن أن يُضاف إلى ذلك نعيه للمرجع الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر الذي أعلن ابتهاجه بانتصار الثورة الإسلامية ودعوته إلى الذوبان في مرجعية الإمام كما ذاب في الإسلام، ونعيه لتلميذه وحصيلة عمره وأكبر مفكري الثورة الإسلامية في إيران الشهيد العلامة مطهري ففيهما من التنويه بمقامهما والرثاء الجميل ما فيهما.
  4. القيادة:

الفصل الأول: العمل بالتكليف الإلهي المحور الدائم لجهاد الإمام.

الفصل الثاني: الدفاع عن حريم الإسلام.

الفصل الثالث: لا يستسلم من الابتداء حتى الانتهاء.

الفصل الرابع: أسطورة المقاومة في المنفى.

الفصل الخامس: غربة، وحدة، آلام.

الفصل السادس: الثبات والحزم وعدم الاستسلام.

الفصل السابع: سدّ غير قابل للاختراق، الإشراف والهداية.

الفصل الثامن: رعاية القانون وتسلسل الرتب.

الفصل التاسع: لقاءات وآراء.

  1. ونجتزئ بهذه الفقرة المتعلقة بالفصل الأول وعنوانه: العمل بالتكليف الإلهي المحور الدائم لجهاد الإمام، وهي منقولة من كتاب وقائع خاصة من حياة الإمام الخميني لآية الله محمد مؤمن: نقل أحد العلماء الذي كان يقول إن فرح زوجة الشاه من أقاربنا: أتى العقيد مولوي المسؤول عن اعتقال الإمام إلى قم يوم الخامس من خرداد عام ٢٤٣١ هـ ش وقال لي خذ لي موعداً ولنذهب إلى زيارة الإمام فذهبنا، قال مولوي: أنا من المخلصين لكم، من خدامكم، مقلدٌ لكم، عبد لكم، ومعي رسالة من الشاه إليكم، وهي أن الشاه يسلّم عليكم ويبلّغكم أن كل ما كان للمرحوم السيد البرجوردي_ المرجع المتوفي_ من مقام وغيره فهو لكم عيناً على ألا يكون لكم تدخل بالدولة وعملها، واحترامكم يكون محفوظاً بالكامل فأجاب الإمام: لا أستطيع البقاء ساكناً في كل مورد بما يلزمني به تكليفي الشرعي، وعلى أساس هذا الموقف اتُخذ القرار الملكي بنفي الإمام إلى تركيا.
  2. ولا شكّ في أن هذا العنوان الذي كان محوراً لحركة الإمام في مختلف الظروف وعلى الرغم من كل الشدائد وفي مواجهة أقسى التحديات إنما هو مصداق للآيات القرآنية في المسؤولية كقوله تعالى }وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ{ (الصافات 24) وقوله عز من قائل في الحضّ على الثبات والاستقامة في أداء التكاليف الإلهية }فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ (هود112).
  3. ونضيف هاهنا أن الدراسات التي طرحت نظريّات متعددة في إبرازها لعوامل انتصار الثورة الإسلامية وترتيب مستوى تأثيرها كما في كتاب (ستّ نظريات حول انتصار الثورة الإسلامية) لسيد صادق حقيقت انتهت إلى التنويه بدور القيادة الدينية عموماً ودور القائد _ بلا منازع_ الإمام الخميني خصوصاً، بشخصيته القرآنية القيادية التي ذكّرت بنفحات من رسول الله صلى الله عليه و آله والأئمة الأطهار عليهم السلام وشدّت إليه الجماهير وجعلته موضع ثقتها وحبها الغامر، ودفعتها إلى تأييد أطروحته القاطعة ( الجمهورية الإسلامية من دون أي كلمة إضافية) والقبول بمبدأ ولاية الفقيه.

  1. أبعاد من شخصية الإمام القرآنية:
  1. تمثله للنماذج وتجسيده للصفات:

لم يُتح لنا ما أتيح للمسلمين على مدى قرنين ونصف منذ بدايات التاريخ الإسلامي من المعايشة لأفضل خلق الله رسول الله خاتم النبيين والأئمة الطاهرين والصحابة المرضيين، ويقرأ المسلمون في القرآن الكريم نماذج من سير المهديين إلى الصراط المستقيم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فيتشوّفون ويتشوّقون إلى لقائهم. ولعلّ الإمام الخميني من خلال شغفه بتلك الشخصيات استطاع أن يتمثّل بعضاً من عطرها، وإنه ليذكّرك في مواجهته للشاه ومن وراءه ومن معه بموسى عليه السلام في مواجهته لفرعون وهامان وقارون.

وحين تقرأ صفات المؤمنين كما في قوله تعالى} قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴿٤﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴿٧﴾ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {(المؤمنون)

وفي قوله سبحانه:} وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴿٦٤﴾ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴿٦٥﴾ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴿٦٦﴾ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴿٦٧﴾ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿٦٨﴾ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴿٦٩﴾ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴿٧٠﴾ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴿٧١﴾ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴿٧٢﴾ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴿٧٣﴾ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴿٧٤﴾ أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴿٧٥﴾ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴿٧٦﴾ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا {(الفرقان) تجد أن هذا الإمام المؤمن ينهل من معينها ويجتهد في تجسيدها بمقدار وسعه لتغدوَ حيّة شاخصة في شخصيته.

  1. تفعيله لشخصيتّه الإنسانيّة الإسلاميّة بمختلف المكوِّنات:

لعلّ الأرضيّة التي يمكن أن تتحرّك فيها مكوّنات شخصيّة الإنسان إنما هي نفسه، لذا ركّز القرآن على تهذيب النفس: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا{ (الشمس 9)، ودعا الناس إلى جهاد أنفسهم }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ{ (المائدة 105) وجاهدوا في الله حق جهاده.

وقد ألقى الإمام محاضرات على طلبة العلوم الدينية بعنوان (الجهاد الأكبر)، ولم يكن ليأمرهم بما لم يسبق إليه اقتداء بأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام القائل (ولا أحثّكم على طاعة إلا سبقتكم إليها)

  1. تجسيده للتوجيهات القرآنيّة على صعيد العلاقات:

ونكتفي هاهنا اجتناباً للتكرار بالتركيز على علاقة الإمام بربّه وشعبه:

علاقة الإمام بربّه: ما الخَلْق في حقيقة أمرهم إلا ارتباط محض وتعلّق خالص بالخالق}يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{ (فاطر15)، وهذه العلاقة التكوينية قائمة دائمة لا تنتهي ولا تتوقف، أدرك الإنسان أم لم يدرك، لكنّ السعي إلى معرفة الله هو الغاية التي ليس وراءها غاية لسير الإنسان إلى الله، وعلى هذا الصراط تنطلق مراحل سلوك الإنسان في أسفاره الأربعة مما قال به الفلاسفة الربانيوّن والعرفاء الحقيقيوّن ويرسم الإمام هذه المرحل في كتابه مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية على النحو الآتي:

 

  1. السفر الأول (السفر من الخلق إلى الحق):

في هذا السفر يجتاز السالك حجب الطبيعة، وينظر إليها باعتبارها أماكن لتجلّي الجمال الإلهي، وإن نظرته هذه تجعله كلما نظر إلى وجود الكائنات ذكر الوجود الإلهي، لذلك فإنّ السالك إلى الله في هذه المرحلة يبلغ منزلة يغدو فيها كليم الله، وينهج نهج التقوى والزهد ويتغلّب على النفس بسحق الأنا، وإنما يكون ذلك بمعرفة فقره المطلق، وهذا مقام يناسب إنسانيّة الإنسان.

  1. السفر الثاني: (السفر من الحق إلى الحق):

يدرك السالك أن الوجود المطلق لله، وتزول الهوية الوجودية للكائنات لديه فلا يرى فيها إلا الله، ويرى السالك حقيقة الأسماء والصفات الإلهيّة، ويسير فيها بمعونة الحقّ تعالى، وفي هذا السفر يتجلّى الله في مقام الوحدانية على السالك، فلو كان في نفس السالك أدنى زلّة فإنه يُصاب بالشطح وإظهار الربوبية، وإلا فإنه يؤهل للمرحلة التالية بإذن الله تعالى.

  1. السفر الثالث:(السفر من الحق إلى الخلق):

يكون سفر السالك في أفعال الله والكائنات التي خلقها الله فينال معرفة حقيقة تلك الأفعال، ونفع الكائنات وضررها في الوجود المفعم بالحق، ويؤهل للمرحلة الأخيرة.

  1. السفر الرابع:(السفر من الخلق إلى الخلق بالحق):

يعود السالك إلى الخلق وقد صار كالمرآة يتجلى فيه الحق تعالى بعد إذ اطلع على حقائق الموجودات ومواهبها وكيفية رقيّها، ويبقى عليه أن يقوم بهداية الخلق ليكمل سفره المعنوي هذا.

ويرى الإمام الخميني أن الأولياء ولاسيما الأنبياء والأئمة قد حققوا ذلك كله، فكانوا المصباح الذي يضيء السبيل للسالكين ويجنّبهم مزالق الطريق ووعثاءها، ولا نجاة للسالك البتّة ولا يصل أبداً إلى أرقى معارج إنسانيّته إلا باتباع أوامر الشرع الحنيف وترسّم خطاهم والتزام نهجهم.

وقد عمل الإمام الخميني بذلك غاية وسعه ومنتهى جهده فكان ممن توءم بين البرهان والعرفان، بل بين العرفان والسياسة وكذلك بين العرفان والثورة، ووظّف ذلك كله في علاقته بشعبه.

علاقة الإمام بشعبه: قلّ أن تجد قائداً أحب شعبه وأشاد به وأبدى ضروب الاحترام بل التقديس له كما تجده عند الإمام الخميني، ولنقرأ نفحات من أقواله بهذا الصدد ولنطالع بعض جوانب سلوكه على هذا الصعيد.

من أقواله:

  • لدينا شعب نبيل حفظ الله هذا الشعب.
  • إن الجماهير متقدمة علينا ونحن نتحرك خلفها. (لمن قال له إنك متقدم على جماهيرك).
  • عرّفوا الشعب حقائق ما يجري (للمسؤولين).
  • إنني أشعر حقاً بالخجل إزاء الشعب الإيراني.
  • لا يحقّ لكم أن تحجبوا الناس (كلام موجّه لأعضاء مكتبه حين وضعوا الحواجز لإيقاف تدفّق الناس لرؤية الإمام).
  • هل تظنّ أنّ بياناتي وبياناتك هي التي أخرجت الشاه من إيران، إن هذه الجماهير هي التي أسقطت بمظاهراتها المليونيّة الحكومة الطاغوتيّة (لمسؤول كبير اقترح ترك اللقاء بالجماهير للتفرّغ للأعمال).
  • لأن يقال لي لقب خادم لهذا الشعب خير من أن يقال قائد.
  • إن هذا الشعب هو صاحب الفضل عليكم (كلام موجّه للمسؤولين مراراً وتكراراً).

 

من مواقفه وتصرفاته:

  • يرفض أن يكون له جهاز تبريد في منزله مالم يكن مثله لدى الناس جميعاً.
  • يرفض أن ينزل إلى ملجأ من الغارات مادامت لم تتوافر الملاجئ للناس.
  • لا يبكي لفقد أبنائه ويبكي لفقد أبناء شعبه.
  • حرصه على البرّ بوعده للناس أن يلتقي بهم في مقبرة الشهداء بطهران عند عودته إلى بلده (على الرغم من مخاطر الازدحام الشديد التي أثرت على صحته)
  • لا يحتمل إساءة القول في الشعب وقواته المسلحة (كلام موجّه لمن أكثر من انتقاد دور الجماهير والقوات المسلحة، وينهي الجلسة ويخرج من المجلس).
  • تكريمه لأبطال القوى المدافعة عن بلدها وخطابه لهم مشفوعاً بقوله: أقبّل أيديكم.

المبحث الثالث: خصوصيّات شخصيّة الإمام القرآنيّة

نكتفي بثلاثة معالم من شمائل الشخصيّة القرآنيّة تفوّق فيها الإمام على كثير من الناس عامة والعلماء خاصة هي:

  1. الزهد: يقول الله سبحانه }لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{ (الحديد23) ويعقّب علي عليه السلام عاشق القرآن وباب مدينة علم رسول الله قائلاً: (ومن لم يأس على ما فات ولم يفرح بما هو آت فقد جمع الزهد من طرفيه)

وقد كان الإمام الخميني مصداقاً بارزا لهذا الخلق القرآني حين قاد الثورة على مدى عقدين من الزمن ورفض عروض الشاه وحكومته، وكان الإمام زاهداً قبل انتصار الثورة وكانت حياته في منتهى البساطة، وبيته في قم شاهد على ذلك، لكنّ زهده ازداد سطوعاً وتألّقاً بعد انتصار الثورة الإسلامية وتربّعه على عرش القلوب قائداً تتمنى الجماهير لو تُقدّم له كل ما بوسعها.

ومن الشواهد على خلقه القرآنيّ هذا:

  • سكناه في بيت لا يملكه وليس له من مساحته القليلة إلا غرفة صغيرة يسيرة الأثاث إن كان فيها ما يمكن أن يُدعى أثاثاً، وقد شُدِهَ لذلك كل من رآها.
  • لم يخرج من الدنيا بشيء من متاعها وقد وزّع قطعة الأرض الموروثة له في خمين على الفقراء.
  • أمره أن تحوّل أموال الحقوق الشرعية لديه باعتباره مرجعاً للأمة كان يقدّم منها رواتب الطلبة، إلى الجهة التي تولّت المرجعية بعده.
  • رفضه أن يكون لأولاده أي منصب في الدولة في حياته وبعد مماته.

  1. التواضع: وهو وصية الله لنبيه صاحب الخلق العظيم:}وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ (الشعراء215) وكان كذلك وبذلك أفضل الخلق أجمعين.

وإنك لتجد هذا الإمام الخميني ينهل من هذا المعين ومن علامات ذلك:

  • قناعته في أسرته ألا يكلّف أحداً عبء تقديم الماء والشاي له وقيامه بذلك بنفسه بل تحضيره وتقديمه الشاي لأسرته يومياً في موعد ثابت.
  • تعامله مع الكبار والصغار في أسرته بكل تقدير ومحبة والنصح بأسلوب عمليّ مهذب.
  • تقبّله لعب الأطفال وضجيجهم حتى في مجلسه واعتذاره عنهم بأن الطفل إن لم يلعب فهو مريض.
  • توجيهه لأولاده وأحفاده أن لا فرق بينكم وبين الخادم في المنزل.
  • لمن طلب منه الشفاعة له يوم القيامة من أهل بيته وأصحابه والناس (ليس من المعلوم إن أكون من أهل الشفاعة آنذاك).
  • اعتذاره لكل من تطوّع لخدمته عما يتحملونه من تعب وعناء.
  • تواضعه الشديد لأسر الفقراء والشهداء.
  1. الشجاعة: امتدح القرآن الشجاعة في التبليغ لرسالات الله تعالى }الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا{ (الأحزاب 39) في ميادين الصراع مع الطواغيت: }وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{ (البقرة 250).

واعتبرها مكوّناً رئيساً من مكوّنات الشخصيّة القرآنيّة.

وقد كان الإمام الخمينيّ نموذجاً فذّاً للشجاعة منذ ريعان شبابه وإلى أخر لحظات عمره.

وقلّ نظيره بين العلماء ومن الأدلة على ذلك:

  • انتداب العلماء له لمواجهة الطاغوت ومن يمثله من الأعوان والأزلام ومجابهتهم.
  • رفضه دون العلماء الأخرين الوقوف للترحيب بالشاه لدى زيارته حرم السيدة المعصومة في قمّ المقدسة.
  • أسلوب خطابه لكبار مسؤولي الأمن الموفدين إليه للترغيب والترهيب من قبل الشاه.
  • تصدّيه وحده بعد مجزرة السافاك (الشرطة السرية للشاه) وقتلهم وضربهم لطلاب العلوم الدينية في المدرسة الفيضية لتهديد الشاه وإنذاره بزوال حمكه وسقوط عرشه.
  • دفاعه في العراق بعد نفيه إليه عن الحوزة العلمية والمراجع في وجه السلطات الصدامية.
  • عودته بالطائرة من فرنسا على الرغم من تهديد حكومة بختيار العميلة في إيران بإسقاط الطائرة، وانتصاره على تلك الحكومة بالقوة الشعبيّة خلال عشرة أيام سميت عشرة الفجر }وَالْفَجْرِ ﴿١﴾ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴿٢﴾{ (الفجر).
  • تحدّيه أمريكا وموقفه من العدو الصهيونيّ، والحرب الصداميّة على مدى ثماني سنوات.

 

 

المبحث الرابع: تقويم شخصيّة الإمام القرآنيّة

إن إطلالتنا هذه المختصرة المقتضبة تخوّلنا القول إنّ شخصية الإمام فيها عناصر كثيرة من هذا المركّب الذي يدعى الشخصيّة القرآنيّة، بحيث كان العالم القائد الإنسان الذي تحدّى بشعبه الأعزل الشاه ومن وراءه من أمريكا والصهيونيّة العالميّة وقوى الشرق والغرب وقاده إلى النصر وغيّر المعادلات الدوليّة والخريطة السياسيّة واستطاع بتوفيق من الله وباتكال عليه سبحانه وباستلهام لسير جده المصطفى الأمين ص والأئمة الطاهرين عليهم السلام والصحابة الميامين أن يكون المنظّر والإمام لأعظم ثورة شعبية سلمية في عصرنا الحاضر متحت من معين ثورة الحسين عليه السلام فكان مفجّراً لصحوة ووليّاً فقيهاً لدولة، وأن يتوئم من ثمّ العلم والإيمان وكذلك العقل والشرع في بنائها، بحيث تُزاوج بين الأصالة والمعاصرة وتدعو إلى وحدة الأمة واستعادة أرضنا السليبة كاملة وحقوق شعبنا المجاهد الصابر في فلسطين.

وستبقى شخصيته _ التي امتلكت احترام كثير من رجال الفكر والدولة في العالم حتى من كانوا خصوماً له_ قدوة للعالم والقائد والإنسان في كل زمان ومكان، وسرّ الأسرار في ذلك أنها نسجت خيوط تميزها من حروف القرآن، فكانت الشخصية القرآنية التي يرضاها الرحمن وتزدهي بها الأكوان.

 

 

 

  

قرأت لك

كتاب: الوحي والنبوة المؤلف: مرتضى مطهري (مفكر إسلامي)

متابعة القراءة