الإمام علي مثال الكمال الإنساني

مقالات

2020/08/17

title
                                                    الإمام علي مثال الكمال الإنساني

يرى بعضهم أن الكمال لله وحده وأنه ليس في الخلق من يتصف بالكمال وهذا القول صحيح إذا قسنا المخلوق إلى الخالق، ولكننا سنوضح فيما يأتي من الكلام الفارق الشاسع بين الكمال الإلهي والكمال الإنساني، وسيكون كلامنا في هذا الكمال الأخير ومدى توافره في بعض الناس ليكون الواحد منهم مثالاً حياً وأسوة ورمزاً للكمال الإنساني.
ويروي لنا الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي حكاية من سيرة حياته لها صلة بكلامنا هذا ذلك أنه حين وصل سن البلوغ استدعاه أبوه وكان شخصية اجتماعية فكرية ذات شأن، فقال له: يا بني مصطفى ما دمت قد بلغت وصرت مكلفاً شرعاً، من النموذج والمثل الأعلى الذي تطمح أن تحذو حذوه وتسير على خطاه وتجعله أسوة لك؟
قال مصطفى: أنت يا أبي، قال الأب: ما أبخس صفقتك، أتعرف من الذي جعلته مثلي الأعلى حين كنت في سنك إنه الإمام علي بن أبي طالب، لقد جعلته أسوتي وقدوتي فوصلت إلى ما أنا عليه، فإذا جعلتني مثلك الأعلى فإلى أين ستصل؟!

أ‌- مفهوم الكمال:
عرفه بعضهم بأنه حصول الشيء أي الموجود على جميع ما يخصّ ذاته وطبيعته من الصفات. فالكمال لا يكون إلا لشيء موجود، بشرط أن يكون وجوده متحققاً بالفعل لا بالقوة، فليس للمعدوم كمال، بل العدم والنقص رفيقان، والبذرة لا يكون لها كمال حين تكون شجرة بالقوة، وإنما الكمال لها حين تكون شجرة بالفعل.
ويقابل مفهوم الكمال مفهوم النقص وسنعرف أمثلتها فيما يأتي من الكلام.

ب‌- الكمال عند الفلاسفة:
• الكمال عند ارسطو: الكمال عنده كمالان:
• ما يكمل به النوع في ذاته، ويسمى الكمال الأول كالعقل للإنسان.
• ما يكمل به في صفاته، ويسمى الكمال الثاني كالعلم للإنسان.
• الكمال عند ديكارت: وظف ديكارت فكرة الكمال والنقص في فلسفته توظيفاً بحيث يستدل بها على وجود الله ويسميها فكرة الكمال المطلق، ويعبِّر عنها بمصطلح (الكائن الكامل كل الكمال le tout parfait).
• فحوى الدليل: عندما أتأمل ذاتي أشعر بالنقص؛ فأنا أشك مثلاً، والشك نقص، وماكنت لأعرف أني ناقص، لو لم تكن عندي فكرة عن الكمال (أي عن كائن كامل كل الكمال) وهذه الفكرة لا تكون من عندي أنا الناقص، فهي من عنده، وتثبت وجوده.

ت‌- بين الكمال الإلهي والكمال الإنساني:
الكمال الإلهي الكمال الإنساني
مطلق نسبي
استقلالي ارتباطي
ذاتي غيري
بسيط مركب
لا نهائي متدرج


ث‌- الكمال الإنساني:
1. موقعه بين الدوافع الفطرية الإنسانية: ثمة دوافع أصلية تولد مع الإنسان يمتاز بها عن الحيوان وهي:
• الميل إلى الحق.
• الميل إلى الجمال.
• الميل إلى الخير.
• الميل إلى الكمال.

2. عوامل الكمال في الإنسان:
• الفطرة ودوافعها: كما ظهر من الفقرة السابقة.
• النفس وأبعادها: وتكامل النفس أبعد مدى وأوسع أفقاً من تكامل البدن.
• العقل ودوره: فلا كمال لمن لا عقل له وللعقل دور كبير في كمال الإنسان.

3. محاضن الكمال الإنساني:
• الوراثة: فثمة كمالات على صعيد الاستعدادات الذكائية وسواها تأتي من 
  طريق الوراثة.
• البيئة: وثمة بيئة تساعد وأخرى تحول بين الإنسان وكمالات كان يمكن أن 
  يكتسبها.
التربية: وهكذا دور التربية فهو تارة إيجابي وأخرى سلبي على صعيد الكمال الإنساني.

ج‌- الرغبة في الكمال بين الإيجاب والسلب:
1. البعد الإيجابي للرغبة في الكمال:
ليختار الإنسان بين فعل وترك أو بين أفعال متزاحمة لا بد له أن يمتلك رغبة في الكمال، ولا بد لها أن تبنى على فهم للإنسان وما يحقق له كماله، وأن ينطلق إلى ساحة العمل والالتزام على أساس رؤية كونية وتفسير صحيح للكون من حوله محوره أن للكون خالقاً هو الكمال المطلق أوجده أكمل ما يكون، وأن الإنسان من الله وإليه، وأن الله اصطفى من خلقه أكملهم ليكونوا أنبياء وأولياء.

2. البعد السلبي للرغبة في الكمال:
إن وقعت الرغبة في الكمال لدى الإنسان في غير مسارها الصحيح فإنها:
• تمنع من النقد الذاتي ومن تقبّل النقد الموضوعي.
• تقف ضد الموضوعية والواقعية.
• تكون سبباً للاضطرابات النفسية والغربة الاجتماعية.
• تؤدي إلى صفات سيئة كالاستعلاء والتكبر والعجب والرياء والتهالك على السمعة والظهور.

ح‌- آفاق الكمال الإنساني:
1- الأفق المعرفي: فكلما ازدادت معرفة الإنسان وعلمه ارتقى في سلم الكمال قال تعالى }فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا{ (طه٤١١)

2- الأفق الوجداني: ولا تكامل للإنسان بعيداً عن الإيمان لأنه لا اتصال له بالله الذي هو الكمال المطلق ومفيض الكمال والموفّق للكمال إلا بالإيمان قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ (المجادلة11)

3- الأفق العملي: ولا قيمة لمعرفة ولا لإيمان في الكمال مالم يؤيدهما العمل ويسمى العمل حين نتوئمه بهما العمل الصالح، ولا عزة للإنسان يستمدها من ربه إلا بكل أولئك، قال تعالى }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً{ (الكهف ٠٣)
وقال تعالى }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ{ (فاطر ٠١).

خ‌- الكمال الإنساني بين الموهبة والاكتساب:
ينقسم الكمال الإنساني إلى:
1- موهوب من لدن الله يفاض على الإنسان بعلم إلهي أزلي وحكمة إلهية تضع الأشياء مواضعها ورعاية إلهية تتعهد ذلك الإنسان وهو يتقلب في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة ثم من لحظة ميلاده إلى بدء معاده إلى ربه الكريم. وذلك حظ الأنبياء والأولياء، ولله ما يشاء قال تعالى }وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم{(الأنعام ٣٨).

2- كمال مكتسب يناله الإنسان بجهده وكدحه، ولا يحرم إنسان من هذا الكمال الأخير، ولا يعفى منه صاحب الكمال الموهوب فلا يقبل منه أن يكتفي بالموهوب بل عليه أن يطوي أشواطاً ويرقى درجات ودرجات في الكمال المكتسب.

د‌- مظاهر الكمال الموهوب:
1- علم لدني: يُزَقّ به الإنسان زَقّاً ويبدأ معه رحلته الحياتية، ومصداقه ما كان من عيسى عليه السلام في المهد، قال تعالى }وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا{ (مريم ١٣).

2- عصمة ربانية: يؤيد بها الإنسان من ربه منذ مولده فلا يقترف معصية ولا يقع في خطأ لئلا تشاب مسيرته بشائبة تمنعه من أداء دوره وتحمل مسؤولياته، قال تعالى}قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ{ (يوسف ٢٣)، وليكون مخلصاً لا سبيل للشيطان إليه، قال تعالى}قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ (ص ٢٨-٣٨)، وقال تعالى}وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ (يوسف ٤٢).

3- قدرات قيادية: يُزوَّد بها الإنسان ليمارس مهمته في تقديم النموذج الصالح و المهارات المتميزة للأنبياء والأولياء، كما في قصة يوسف(ع)، قال تعالى} وَ كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{ (يوسف ٦٥)، وكما في قصة ذي القرنين: قال تعالى }إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً{ (الكهف ٤٨)
وهذا الكمال الموهوب للأنبياء و الأولياء- كما نوّهنا سالفاً- هو أول أشواطهم من الكمال، ويتطلب منهم جهوداً جبارة، ويلقي عليهم أعباء استثنائية، ويجعل مسؤوليتهم في اكتساب الكمال، وتحقيق الكمال المكتسب أكبر و أخطر، ولولا ذلك لما فهمنا معنى لتفضيل بعض النبيين على بعض: قال تعالى }تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ{ (البقرة ٣٥٢).

ذ‌- مهمازان للكمال الإنساني:
ومما يحفز على الكمال الإنساني ويؤهّل له بحسب القرآن الكريم أمران؛
أولهما: العبادة وليس المقصود كمّ العبادة (ومنها الصلاة) ((تحقرون صلاتكم إلى جانب صلاتهم، لهم جباه كثفنات البعير من السجود ولهم دويّ كدوي النحل.... يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة)، وإنما المقصود عبادة هي غاية الخلق للمخلوقين وليس للخالق، قال تعالى }وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ { ( الذاريات ٦٥)، عبادة تعبر بالإنسان من العبودية التكوينية الجبرية إلى العبودية الاكتسابية الاختيارية وليكونوا عباد الرحمن الذين نوّه الله بذكرهم وصفاتهم، قال تعالى }وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً * وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً * وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً * وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً { (الفرقان ٣٦-٤٦-٥٦-٦٦-٧٦).
وثانيهما: الجهاد بكلا قسميه الأصغر في ساحة القتال والأكبر في ساحة النفس والمال فهو ملاك تفضيل وسلّم تكامل، قال تعالى }لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً{ (النساء ٥٩).

ر‌- علي (ع) مثال الكمال الإنساني:
1- لقد شاء الله بعلمه اللانهائي واختياره المطلق وحكمته البالغة أن يجعل من علي (ع) وفي ظل رسول الله (ص) مثال الكمال الإنساني.

2- ولقد وفر الله تعالى لعلي (ع) عبده وأمير المؤمنين ووليهم من عوامل الكمال الإنساني:
• فطرة: هي الميثاق بين الله والناس يوقظها الأنبياء ولا سيما رسوله الخاتم )فبعث فيهم رسوله و واتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته) (نهج البلاغة، خطبة: 1)، وقال علي (ع) عنها: (فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان و الهجرة) (نهج البلاغة، خطبة: ٧٥) فلم تسلم فطرة، ولم تستيقظ يقظتها عند مسلم كما عند علي (ع).
• الكون: وعقلاً: أراد الله منه أن يقرأ القرآن بآياته الدالة على ربه: قال تعالى }وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ{ (النحل ٢١)، وأمر الأنبياء أن يستخرجوا من الناس كنوز عقولهم الدفينة (ويثيروا لهم دفائن العقول) (نهج البلاغة، خطبة: ١).
ولم يكمل عقل في الإسلام، وتستخرج كنوزه بفضل النبي الأكرم (ص) كعقل علي(ع)، وحسبك قول ابن سينا الشيخ الرئيس وقد سئل عن موقع علي (ع) بين الصحابة فقال: موقع العقل بين الحواس.
• ونفساً: قال عنها ربها: }وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا * فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا * قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا * وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا{ (الشمس ٧-٨-٩-٠١)، ولم يزكِّ مسلم نفسه ويُنمِّ طاقاتها كعلي(ع) وهو القائل:(و إني من ضلالهم الذي هم فيه، و الهدى الذي أنا عليه، لعلي بصيرة من نفسي و يقين من ربي) ( نهج البلاغة، الكتاب: ٢٦)، ( و إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي أمنة يوم الخوف الأكبر) ( نهج البلاغة، الكتاب: ٥٤)

3- وأفاض الله على علي (ع)، من محاضن الكمال الإنساني:
• وراثة: فهو من قريش وفيها النبوة والإمامة وفي بني هاشم منها بخاصة وهكذا كان خير الخلق محمد ابناً لعبد الله وعلي ابناً لأبي طالب الأخوين الشقيقين الحنيفين، وقد قال علي (ع): (إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم و لا تصلح على سواهم، و لا تصلح الولاة من غيرهم) (نهج البلاغة، خطبة: ٤٤١).
• وبيئة: هي البيئة التي انتهت إليها مواريث النبوات، ووصل إلى ذروة كمالاتها سيد الأنبياء وخاتمهم محمد(ص).
• وتربية: هي تربية أكمل الخلق بل الكمال الإنساني المجسّد رسول الله(ص) الذي ضمّه إليه منذ أن فطم وفاء لدين أبي طالب الذي كفل رسول الله، ويقول علي(ع): (وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولدُ يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به) (نهج البلاغة، خطبة: ٢٩١)

4- ولم يجعل الله سبحانه وتعالى الرغبة عند علي في الكمال المكتسب فضلاً عما وهبه إياه من الكمال إلا الرغبة الإيجابية التي تحفّها التقوى وهو القائل في خطبة وصف المتقين (وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع) (نهج البلاغة)

5- فكان علي(ع) في وجوده وصفاته وأفعاله وأقواله، كما يحبّ الله تعالى مصداقاً لقوله عز من قائل فيمن جعلوا وجودهم وصفاتهم وأفعالهم وأقوالهم لله، قال تعالى }قُلْ إِنَّ صَلَاتىِ وَنُسُكِىِ وَمَحْياىَ وَمَمَاتىِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {
(الأنعام ٣٦١-٤٦١)، وهو القائل:(إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب) (نهج البلاغة)

6- ولقد جمع الله له الإيمان بحيث قال فيه رسول الله (ص) يوم الخندق: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله)، والعلم بحيث قال فيه أعلم الخلق: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من الباب)، والعمل وقد قال علي(ع): (وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين، وكلامهم كلام الأبرار، عُمّار الليل ومنار النهار، متمسكون بحبل القرآن، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون، ولا يعلون، ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل) (نهج البلاغة، خطبة: ٢٩١).

7- ولأنه انطلق بمهازي الكمال إلى أسمى آفاقهما:
• العبادة: وهو القائل: (إن قوماً عبدوا الله خوفاً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله طمعاً فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار) (نهج البلاغة).
• الجهاد: و هو المجاهد الأكبر بين يدي رسول الله:، وكان له السهم الأكبر و النصيب الأوفر من قتلى المشركين المعتدين حتى ليقول رسول الله( ص) في إحدى ضرباته: ( ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين إلى يوم القيامة)، و يقول علي( ع) في خطبة الجهاد:( أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، و هو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة و جنته الوثيقة فمن تركه رغبة عنه، ألبسه الله ثوب الذل، و شمله البلاء و ديث بالصغار والقماءة، و ضرب على قلبه بالأسداد، و أديل الحق منه بتضييع الجهاد، و سيم الخسف، و منع النصف)( نهج البلاغة، خطبة:٧٢)، و فوق كل ذلك شهادة ربه في جهاده، قال تعالى}وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ{ ( البقرة 207)

8- لأن الله خصه بالولاية وهي مرتبة مشتقة من مرتبة رسول الله(ص) وهما فرع لولاية الله سبحانه: قال تعالى }إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{ (المائدة ٥٥)

9- ولأنه أول الأئمة الاثني عشر الذين قال فيهم رسول الله (ص): (يكون عليكم بعدي اثنا عشر) وقد أفاض الله عليهم العلم اللدنّيَ والعصمة الربانية والقدرات القيادية.

01- ولكنه وبعد كل هذا الكمال الموهوب مضى بالكمال المكتسب إلى أسمى ذراه فلم ير نفسه إلا عبداً داخراً لله فكان دعاء كميل الشريف المرويّ عنه ذروة الخضوع لله والفاقة واللجوء إليه فكان بذلك مثال الكمال الإنساني بعد رسول الله(ص).

والحمد لله رب العالمين.



 

قرأت لك

كتاب: الوحي والنبوة المؤلف: مرتضى مطهري (مفكر إسلامي)

متابعة القراءة