title
لا يمكن لقارئٍ مدقَّقٍ محقَّقٍ في تاريخ الثورات أن يجد ثورةً توءمت بين أوج إنسانيتها وعمق إسلاميتها كالثورة الحسينية.
أولاً
وإذا أردنا أن نقوَّم هذه الثورة في إنسانيتها فمن المناسب إعمال المعايير الآتية:
- معيار أهدافها
وهذا الإعلان بأهدافه يطرح قيماً إيجابية معرفية ووجدانية وسلوكية تحترمها الإنسانية، كالحقّ، والصبر، والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الرغم من انتماء بعضها إلى الثقافة الإسلامية فإن لها نكهتها الإنسانية المتميزة، وهو ينفي أي هدفٍ سلبيًّ للثورة تزدريه الإنسانية كالأشر والبطر والإفساد والظلم.
وطلب الإصلاح في الأمة كان شعار الأنبياء (عليهم السلام)، وهم قمم في الإنسانية، وروى القرآن الكريم ذلك عن شعيب عليه السلام:(...إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود 88).
وأمَّا الأمر بالمعروف وهو كل ما عرف حسنه من العقل والشرع، والنهي عن المنكر وهو ما عرف قبحه من العقل والشرع، فهما قوام تميّز الأمة، وهو ما يشهد به القرآن المجيد:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...) (آل عمران 110).
وقد ندب الله سبحانه من الأمة أمة طليعة -تقوم إذا قعدت الأمة- بهذين الواجبين المحوريين:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران 104)، وكانت أمة الثورة الحسينية مصداقاً لهذه الآية الكريمة.
ولا يريد الإمام الحسين عليه السلام من أحدٍ أن يقبله إلاَّ بقبول الحقّ الذي يدافع عنه ويدعو إليه، ويوطّن نفسه على الصبر قبالة مَن لم يقبله ولم ينضمّ إلى ثورته.
وهو لا يذكر سيرة جده صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه عليه السلام إلاَّ لما تمثله من الأفق الأمثل للإنسانيّة نبوّةً وإمامةً.
- معيار قيادتها
نكتفي هاهنا بالقرآن الكريم شاهداً على منزلة الحسين عليه سلام قائد تلك الثورة، ونجتزئ بثلاث شهادات قرآنية من ربّ الإنسانيّة (...وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (النساء 79) ...
الشهادة الأولى: آية التطهير، وهي:(...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب 33).
ولا ريب لدى جميع المفسَّرين أن الحسين عليه السلام هو من أهل البيت في هذه الآية، وهو بالتالي ممَّن أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً من كلّ المعاصي والعيوب والنقائص، وهو مثل أعلى للإنسانية.
الشهادة الثانية: آية المباهلة، فحين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفد نجران كما يتَّضح من سياق الآية:(...فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران 61)، انتظر ذلك الوفد ليروا من سيأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عداد وفده، في حين رأوه يأتي من الأبناء بالحسن والحسين عليهما السلام، ومن النساء بفاطمة عليها السلام، ومن الأنفس بعليَّ عليه السلام –كما هو إجماع المفسَّرين- قال بعضهم لبعض: لو لم يكن صادقاً لما جاء بأعزّ الناس عليه وأحبّهم إليه وآثرهم عنده، ونكصوا عن المباهلة.
نفهم من ذلك مكانة الحسين عليه السلام من بين الخلق عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الخلق.
ما بيَّنه تعالى في الشطر الأكبر من سورة الإنسان من أن أسرة عليًّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام -كما يتبيّن من أسباب النزول- من أهل الجنة حتماً، وذكر شرابهم فيها ولباسهم، وأن ذلك لتصدّقهم بكلّ طعامهم لمسكين ويتيم وأسير ألموا بهم في ثلاثة الأيام التي نذروا فيها الصيام لمَّا شفى الله مريضهم، تقول السورة فيما تقول:(إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا*) (الإنسان 5-6-7-8-9-10-11-12).
- معيار آثارها
ومن آثارها القريبة: - اسقاط الفرع السفياني من الأسرة الأموية عن سدّة الحكم: فها هو ذا معاوية بن يزيد، بعد ما كان من أبيه الذي نصّبه معاوية على رؤوس الناس بعيداً عن العمل بوثيقة الصلح بينه وبين الإمام الحسن عليه السلام، وقد نصَّت على أن معاوية يستمرّ مدة حياته في الحكم حتى إذا قضى آلَ الحكم إلى الحسن عليه السلام، حتى إذا انقضت حياته آل الحكم إلى الحسين عليه السلام، وحين توفّي الحسن عليه السلام مسموماً قام معاوية بتنصيب ابنه يزيد ولياً للعهد، ناقضاً للصلح، محولاً الخلافة ملكاً عضوضاً، لا أصل له ولا شرعية في الإسلام، ومات معاوية، فمن ذا الذي خرج على مَن؟، إن يزيد هو الذي خرج على الحسين الحاكم الشرعي بموجب وثيقة الصلح، وقد اعترف معاوية بن يزيد بأنه لا يريد أن يدخل فيما دخل فيه أبوه وجدّه.
- إعلان رفض الملك العضوض الهجين البعيد عن قيم الإسلام ونظامه السياسي القائم على أحد اختيارين عند المسلمين لا ثالث لهما: الإمامة والخلافة، وهو إعلان مهره الإمام الحسين عليه السلام بدمه ودم أهل بيته وصحبه عليهم السلام دفاعاً عن الإسلام وقيمه ونظامه.
- حفظ الإسلام روحاً وشكلاً، عقيدةً ومثلاً، من الردة الجاهلية، ألم يتمثل يزيد وهو ينكث ثنايا الرأس الشريف للحسين عليه السلام بأبيات ابن الزبعرى:
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جزع الخزرج عن وقع الأسل
لأهــــــلّوا واستهلّوا فرحاً ثــــــــــــمّ قالوا يا يزيد لا تشلّ
قد قتلنا القرم من ســـادتهم وعــــــــــــــــدلناه ببدرٍ فاعتدل
لعبت هاشمُ بالملك فــــــلا خبرُ جــــــــــاء ولا وحيٌ نزل
ومن آثارها البعيدة
- تقديم نموذج الثورة الإسلامية الإنسانية مدرسة مفتوحة للثورة في الإسلام بالإسلام وللإنسان في كل زمان ومكان تتلى دروسها وتقام مجالسها فتمتزج بالوجدان وترشّد العقل، وتستمطر الدموع وتحشد في النفوس ذخيرةً ثوريةً لا تنضب إلى أن يعمّ الكون العدل والقسط ويسقط الظلم والجور إلى غير رجعة وينعم الناس بالحرية والرفاهيّة.
- افتتاح الحسين عليه السلام أعظم عملية استشهادية في التاريخ بنفسه وأبرّ أهل بيته وأوفى أصحابه؛ حيث علم أنه ذاهب للموت لا محالة، وقد أجاب من قال له: لماذا تفجعنا بنفسك؟ شاء الله أن يراني قتيلاً.
فهو لم يذهب ليَقتُل بل ليُقتل ذياداً عن الإسلام أن يُقتلَ أو يشوَّه أو يحرَّف. - القدرة على استيلاد ثورات في عصرنا الحاضر تمثّلت في الثورة الإسلامية الشعبية في إيران بقيادة علم ديني إنساني وهو الإمام الخميني (قدس سره)، ليعصف سلمياً ومن دون سلاح -بل بالورود في مقابل البنادق وبالدم في مقابل الرصاص- بالعرش الشاهنشاهي الطاغوتي المعتمد من أمريكا وإسرائيل دركيّاً للمنطقة، وليفتتح أول سفارة لفلسطين في مقر السفارة الإسرائيلية سابقاً، والدعوة إلى وحدة المسلمين باتجاه تحرير القدس والأقصى الشريف.
ولفهم علاقة هذه الثورة بثورة الإمام الحسين عليه السلام. نستذكر ما كان يقوله قائدها الإمام الخميني ويكرره:(كل ما لدينا من كربلاء، كل ما لدينا من عاشوراء)، علماً بأن الشاه والثائرين عليه ينتمون إلى مذهبٍ إسلاميًّ واحد. وتمثلت كذلك في جناح لهذه الثورة هو حزب الله في لبنان، الذي يرفع شعارات كربلاء ولبيك يا حسين، فيطرد المحتلّ الصهيوني من أرضه ويهزمه في منازلةٍ تاريخية سنة (2006) ويزيد المقاومة وخطّها في فلسطين قوةً وحيوية فتخضع العنجهية الصهيونية في أكثر من نزال على حدود غزّة الأبيّة.
ثانياً
إذا أردنا إن نقوّم هذه الثورة الحسينية في إسلاميتها فمن المناسب إعمال المعايير الآتية:
- معيار شرعية قيامها:
بيت القصيد في هذا المعيار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نوّه بالحسن والحسين عليهما السلام إمامين، وتبنّى خياراتهما سلفاً، كما في قوله:(ابناي هذان إمامان قاما أم قعدا)، وأعطى شرعيةً لا لبس فيها لثورة الحسين عليه السلام إذ يقول:(حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً).
- معيار رعايتها للإسلام:
التزمت الثورة الحسينية بالإسلام بكلّ أبعاده: - عقيدةً: وهذا ما يتجلّى لدى زينب عليها السلام أخت الحسين وشريكة ثورته، وصاحبة الدور العظيم فيها قبل استشهاد أخيها وبعده، ولا سيّما حوارها مع عبيد الله بن زياد الطاغية في قصره بالكوفة، يقول لها فيما يقول (الحمد لله الذي فضحكم. وكذَّب أحدوثتكم)، فتردّ:(الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه صلى الله عليه وأله وسلم وطهّرنا في محكم تنزيله تطهيراً، إنما يفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر وهو غيرنا).
ويسألها شامتاً :(كيف رأيت صنع الله بأخيك؟)، فتجيب بما في العقيدة الإسلامية من نصاعة:(ما رأيت إلاًّ جميلاً)، فالله جميل لا يصدر عنه إلاَّ الجمال، وأمَّا صنع الناس ففيه الجميل وفيه القبيح، وأقبح القبيح قتل الحسين عليه السلام ممَّن يدّعون أنهم من أمة جدّه، وبعد كلّ ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه. ويستفهم ابن زياد عن هذا الذي إلى جوارها فتقول: إنه عليّ بن الحسين (تقصد الإمام زين العابدين عليه السلام) فيتعجب ويتحيّر وينسب قبيح فعلته إلى الله تعالى: ألم يقتل الله عليّ بن الحسين؟! (و كان قد قُتل أخ له وهو علي الأكبر) فتصفعه بجواب يكذّب ما قاله ويصحح المغالطة العقدية في كلامه:(بل قتله الناس) - قيمياً: وهذا يتمثل في الشعارات التي رفعها الحسين عليه السلام في ثورته، وهي تمتح من معين الإسلام كما في قيمة رفض الذلّ:(هيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله وجحور طابت وطهرت، ونفوس أبية، وأنوف حميّة، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
وحين يراد له أن يبايع يزيد أو يُقتل ويقال له:(انزل على حكم ابن عمك)، يقول بأنَفة الإسلام:(ويزيد فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله). - سلوكياً: من رعاية الإمام الحسين عليه السلام في ثورته لأحكام الإسلام أنه لم يبدأ القوم بقتال أبداً، وبذل الماء حتى لمن جاؤوا يقاتلونه، وحوّل بعض أعدائه أولياء كزهير بن القين الذي دعاه الحسين عليه السلام إلى مقاتلته فكان يتردد ويتأخر ويتملص إلى أن شجّعته امرأته الصالحة بقولها:(ابن بنت رسول الله يدعوك ولا تذهب إليه!)، ويقول زهير بعد ذلك: دخلت عليه -أي الحسين- وهو أبغض الخلق إليَّ، وخرجت من عنده وهو أحبّ الناس إليَّ.
وكالحرّ بن يزيد الرياحي الذي أرسله عبيد لله بن زياد ليجعجع بالحسين وأنصاره ويضيّق عليهم ويضطرهم إلى دخول الكوفة معقل ابن زياد، فما زال يرى من أخلاق الحسين عليه السلام وبذله الماء له ولجماعته إلى أن يلتحق بصلاة الحسين عليه السلام ويأتمّ به، إلى أن يقول مبيَّناً معاناته الداخلية: (وطفقت أخيّر نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئاً أبداً)، وكان أن عطف جواده والتحق بمعسكر الحسين عليه السلام واستأذنه أن يكون أول شهيد بين يديه، وكان له ذلك الشرف، فضمّه الحسين إلى صدره صريعاً قال:(أنت حرّ كما سمتك أمّك).
وفي المقابل هذا السلوك الملتزم بأهداف الإسلام نرى خصوم الحسين عليه السلام يمنعون الماء عنه وعن أنصاره وعن نسائه وأطفاله، وحين يخرج إليهم برضيع له لا شأن له في قتال ليسقى شربة ماء، يمطرونه بسهام تذبحه بين يدي أبيه.
- معيار حرصها على بقاء الإسلام وسلامته واستقامته:
الإسلام ملاك وحدة المسلمين وعزتهم ومستقبلهم المشرق، وذلك هو نداء الحسين عليه السلام متمثلاً بهذا البيت الشعري الغنيّ بدلالته:
فالحسين عليه السلام لا يريد من ثورته مغنماً شخصياً ولا غرضاً ذاتياً، وإنما يضحي بسلامته ليسلم الإسلام ويحفظ صراطه المستقيم من الانحراف والتحريف.
ثالثاً
يتبين من المعايير التي طرحت لإنسانية الثورة الحسينية وإسلاميتها إن الدين لا يكون إلا لمصلحة الإنسان وللسموّ بإنسانيته إلى أعلى درجاتها.
وأن إسلامية الثورة لا يمكن أن تكون على حساب إنسانيتها، بل ينبغي أن تحمل إليها قيمةً مضافة، وأنه حين تحافظ الثورة على إسلاميتها وإنسانيتها معاً -كما هو النموذج الحسيني الرائد- تنتصر حيث يتخيل أنها تنهزم، وتتقدم حيث يظنّ أنها تتأخّر، وتبقى حين يحسب أن تأثيرها سيطوى.
وهذا ما كان يُعبَّر عنه بـ (المظلومية المنتصرة)، وما يشير إليه الشاعر بقوله:
والله ما قتل الحسينَ يزيُدهم لكنما قتل الحسين يزيدا
بل هو ما قالته السيدة زينب عليها السلام ليزيد في قصره:(ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدّنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاَّ ما قدّمت يداك، وما ربّك بظلام للعبيد، وإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يُرحَضُ عنك عارها، وهل رأيك إلاَّ فند، وأيَّامك إلاَّ عدد، وجمعك إلاَّ بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين).
رابعاً
الدعوة إلى قراءة الثورة الحسينية:
لا ينقضي العجب من أن العلماء والمفكرين والمؤرَّخين والباحثين من الإسلاميين يعرضون عن قراءة الثورة الحسينية ويدعون إلى طيّ ملفها، على حين نرى قراءات لها تنفتح على أبعادها وآثارها وتستلهم نموذجها، من تلك القراءات:
- قراءات الفقهاء الأئمة
فهذا هو أبو حنيفة إمام الحنفية يقدّم قراءته للثورة الحسينية ودعمه لها دعماً لثورة حفيد الحسين زيد بن علي بالمال والسلاح، ويتحمل في سبيل موقفه الشامخ هذا من عنت السلطة واضطهادها وتعذيبها ما لا يتحمل.
وذاك هو مالك إمام المالكية يثني على حفيد الحسين عليه السلام الإمام الصادق عليه السلام بما يشي بمدى إكباره لهذا البيت النبويّ وسلالته الإماميّة:(ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أعظم علماً وورعاً من جعفر بن محمد).
وذلك هو الشافعيّ إمام الشافعية يقولها صريحةً بلغته الشعرية وهو الشاعر
فمـــــــن مُبلِغ عني الحسين رسالةً وإن كرهتها أنفسٌ وقلوب
يُصلَّى عــــلى المختار من آل أحمدٍ ويؤذى بنوه إنّ ذا لعجيب
لئن كــــــــــــان ذنباً حبّ آل محمدٍ فذلك ذنب لست عنه أتوب
- قراءات معاصرة
نكتفي منها بنماذج على النحو الآتي: - من الغرب: نجد (ديكنز) الروائي الإنجليزي الشهير يقول: لو لم يكن هذا الرجل (أي الحسين) صادقاً لم يكن ليأتي بنسائه وأطفاله إلى ساحة كربلاء.
- من الشرق: نجد (غاندي) الزعيم الهندي الكبير يقول:(تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر).
وفي الشهادتين الآنفتي الذكر من مفكرين غير مسلمين ما يؤكَد البعد الإنساني للثورة الحسينية كما قرأاها ووعياها. - من المسلمين: نجد أبا الأعلى المودودي المفكر الإسلامي يشيد بصحب الحسين وأهله وانضباطهم وتحقيقهم لأهداف ثورته في مقابل الملك العضوض.
- من العرب: نجد مالك بن نبي المفكر الباحث يصنف تاريخ الإسلام إلى مرحلتين، متنبهاً لما طرأ على مسيرة المسلمين بعد عليّ والحسن والحسين.
- من سورية: نجد قراءة مفتي الجمهورية العربية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون القائمة على التمييز بين الإمامة والخلافة، والتعاطف مع الثورة الحسينية الإسلامية الإنسانية.
ختام
لعلّ من المناسب بعدما سبق الدعوة إلى أن يتبنى المسلمون جميعاً الثورة الحسينية بإنسانيتها وإسلاميتها نموذجاً للثورة الإسلامية، ولتكون كذلك مصلاً مضاداً وحصناً حصيناً في وجه الثورات التي تدّعي الإسلامية على حساب الإنسانية بل على حساب الإسلام ولمصلحة قوى استعمارية وصهيونية، وتهدف إلى تشويه الإسلام السمح النقي الواسع الجميل، وتقديمه بوجهٍ بشعٍ إرهابيَّ تنكيليَّ إلغائيّ.
والدعوة كذلك إلى توسيع إطار المجالس الحسينية لتكون مدرسةً للتثقيف بالثقافة الإسلامية وفي إطار الوحدة الإسلامية، وبمشاركة من علماء الإسلام من مختلف الرؤى والأطياف والقساوسة المسيحيين، بل المفكرين الإنسانيين والقوميين والوطنيين، ليتشارك الجميع في تقديم قراءاتهم للثورة الحسينية، وتوظيف ذلك كلّه في ترسيخ الوحدة الوطنية والانفتاح على الأمة كلها وخدمة قضاياها المحقة ولا سيما قضية فلسطين وتحريرها من النهر إلى النهر، واستعادة القدس والأقصى وعودة الفلسطينيين المهاجرين إلى أرضهم ودولتهم على امتداد الجغرافية الفلسطينية، من خلال منهج لا بديل عنه هو منهج المقاومة المستلهم للثورة الحسينية، والسعي إلى إغناء الحضارة الإنسانية بالقيم، وتسديد مسيرتها والانطلاق بها في آفاق التعارف،(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات 13).
وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين.