خطبة الرسول الأكرم ص في استقبال شهر رمضان (قبسات من ألق ونفحات من عبق)

مقالات

2020/07/14

title
                                                       (قبسات من ألق ونفحات من عبق)
يقترن شهر رمضان المبارك في وجدان المسلم وسلوكه بعبادة الصوم، ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن الله تعالى لخّص في كتابه الكريم الغاية من خلق الإنس بالعبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٦٥ الذاريات)
لكن هذه الغاية ليست للخالق وإنما هي للمخلوق، فالإنسان بحاجة إلى أن يعبد وليس الله سبحانه بحاجة لأن يُعبد، وبإشباع هذه الحاجة الإنسانية من قبل الإنسان وباختياره وإقباله يرقى في معارج الإنسانية.
وقد منّ الله على الناس بأن شرع لهم صيغاً عبادية تحقق لهم تلك الغاية على أكمل وألطف وأجمل ما يكون، ونوّه بغايات تفصيلية خاصة لكل عبادة.
فذكر للصلاة غاية هي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر في قوله تعالى:( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (٥٤ العنكبوت).
وذكر للحج غاية هي الشكران للنعم في مقابل الكفران لها في قوله عزّ من قائل :( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (٩7 آل عمران).
وذكر للصوم غاية هي رجاء الاتصاف بالتقوى في قوله سبحانه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٣٨١ البقرة).
على أن للصوم من دون مختلف العبادات خصوصية هي السر في أن الله تعالى يقول في الحديث القدسي:(الصوم لي وأنا أجزي به).
ذلك أن الصوم ترك وكل العبادات فعل، وفي الترك جانب مهم من سلوك الإنسان وتجليات شخصيته فقيمة الإنسان لا تقوم على ما يفعل فحسب بل على ما يترك من الفعل وكذلك في ميدان القول.
ولكن الصوم ليس مجرد ترك، وإنما هو ترك لمباح من طعام وشراب ولذة تقرباً إلى الله وتنفيذاً لأمره تعالى في وقت محدد ولزمن محدد.
وقد يسأل هل في ترك المباح مصلحة بحسب العقل والشرع؟
• أما العقل فيرى في ذلك مصالح منها:
– عدم الإغراق في الأخذ من المباح.
– ترك المباح حيناً لتدريب الإرادة.
– الإعداد والتمهيد والتعويد لترك ما لا ينبغي أخذه، فمن ترك المباح لله كان أقدر على ترك الحرام لله.
• وأما الشرع فيتبنى ما يقول به العقل، لكنه يرسم الأبعاد الشرعية لترك هذا المباح ووقته وزمنه، ويصوغ كل ذلك صياغة إلهية، ويرفعه ويرفع به الإنسان إلى مقام العبادة.
وأما التقرّب إلى الله فهو مقّوم عباديّة الفعل الإنساني - حتى خارج إطار الصيغ العبادية التي شرعها الله تعالى- وبقصد الإنسان إلى القربة يمكن أن يغدو الأكل والشرب والقيام والقعود والنوم عبادة.
لكن التنفيذ لأمر الله والالتزام بالأركان والواجبات والشروط وعدم الوقوع في المبطلات كما قرره الشرع في كل فريضة عبادة كالصلاة والصيام والحج، مما لا مجال فيه لإضافة أو إنقاص أو تغيير وإلا كان تشريعاً باطلًا وبدعة مرفوضة.
وفي تحديد وقت عبادة الصيام الواجب وهو شهر رمضان للمقيم (.... فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ....) (٥٨١ البقرة).
وزمنه من الفجر إلى الليل (... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ...) (٧٨١ البقرة).
أسرار غيبية إلهية يعانقها المؤمن بكل روحه ويجد فيها الرَّوْح والراحة والريحان
ومن كل ذلك وفوق ذلك، كان لشهر رمضان شهر الصوم ماله من خصائص وكان له في نفوس المؤمنين ماله من المنزلة، وكان تعلّق قلوبهم به في اللقاء والوداع.
ومن أحقّ من رسول الله ومصطفاه وإمام أنبيائه وخاتم رسله وسيّد خلقه ومن كان خلقه القران، أن يكون الرائد والقائد والعاشق الأكبر والضياء الأنور في الحفاوة بقدوم شهر رمضان وبيان خصوصياته وامتيازاته، وإعداد المسلمين وتعليمهم فنّ استقباله، وإرشادهم إلى النهل من أسراره ونفحاته والفوز ببركاته وثمراته؟
فإلى خطبة الرسول الأكرم (ص) في استقبال شهر رمضان وهي مرويّة عن الإمام الرضا (ع) عن أجداده (ع) في سلسة ذهبية نورانية، وهذا نصّ منها، وبعض قبسات من ألقها وبعض نسمات من عبقها:
(أيها الناس.... إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات.
هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله. أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب).
– وفي خطاب الرسول للناس كلّ الناس تأكيد بأن رسالة الإسلام رسالة عالمية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ....) (٨٢سبأ)، وفيه كذلك تنويه بأن هذا الإسلام بعقيدته وقيمه وشريعته وإن كان إلهي المنبع فهو إنساني المصبّ.
– وفي إضافة الشهر إلى الله تعالى إضافة تشريفيّة، وإلا فالزمان والمكان والإنسان والكون كلها لله وتنسب إليه وتصدر عنه وهي محض ارتباط به، لكن في هذه النسبة والإضافة ما فيها من التنبيه إلى خصوصيات لهذا الشهر الكريم سيأتي ذكر بعضها، وحسبه أن يعرفه القرآن بقوله
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ....) (٥٨١ البقرة)
هذه الإضافة على غرار إضافة البيت الحرام إلى الله في قوله تعالى:
(...أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٥٢١البقرة).
مع أن جميع المساجد بيوت الله، وإضافة الروح التي نفخت في آدم مع أنها من أمر الله إلى الله في قوله سبحانه :( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (٩٢الحجر).
– والبركة والرحمة والمغفرة هي من تجليات ربوبية الله على خلقه لكنها في هذا الشهر الكريم مبذولة للمؤمنين متاحة للمقبلين، وهي مما يطلبه الإنسان في أدعية علّمه إيّاها القرآن الكريم كما في الآيات المباركات:( وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) (٩٢المؤمنين).
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) (٨١١المؤمنين).
(.... رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (٣٩١آل عمران).
– وفي أفضلية هذا الشهر على الشهور وأيامه على الأيام وساعاته على الساعات حضّ على اغتنام هذا الزمان الذي خصه الله بخصوصيّات ظاهرة وباطنة-كما النعم-وفي التقييد بعند الله تذكير بأنه (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ....) (٩٦النحل)، و(ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وأَبْقَىٰ) (٠٦القصص).
– وما ظنّنا بعد ذلك في شهر الله وأفضل الشهور عند الله بضيافة الله؟
وما ظنّنا بقرِاه وقد دعانا سبحانه إلى إكرام الضيف وبيده تعالى ملك السموات و الأرض؟
– وأما كرامة الله التي جعلنا أهلاً لها فلا يعلم أفقها ومداها إلا الله وسنتبين بعضاً من أبعاد تيك الضيافة وتلك الكرامة من فقرات تالية.
– وهذه إشارات إلى ألوان الضيافة وأصناف الكرامة: (أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب)، وللبيب بعد كلّ ذلك أن يسأل نفسه: إذا كانت أنفاسنا فيه تسبيحاً فكيف بتسبيحنا نفسه؟ وإن كان نومنا فيه عبادة فكيف بعبادتنا عينها؟ وماذا فوق أن يكون العمل مقبولاً من غير شروط؟ وأن يكون الدعاء مستجاباً على كل حال؟
– (فاسألوا الله ربكم بنياتٍ صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن الشقيّ من حُرِم غفران الله في هذا الشهر العظيم. واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه، جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصِلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغُضّوا عما لا يحلّ النظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يَحلُّ الاستماعُ إليه أسماعَكم، وتحنَّنوا على أيتام الناس يُتَحَنّنْ على أيتامِكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا أيديكم بالدُّعاء في أوقات صلاتِكم، فأنّها أفضلُ الساعات، ينظرُ الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبُهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيبُ لهم إذا دعوه).
– وفي الفقرة السالفة من هذه الخطبة النبوية منهج عملي يرسمه النبي الأسوة لنترسّم خطوطه ونلتزمه، ابتداء من سؤال الله بنيات صادقة، والنية روح العمل، وصدقها علامة الإخلاص وشرط القبول.
– ويشتمل هذا المنهج على عبادات وتهذيبّيات وسلوكيّات وتقربات:
من صوم وصلاة وذكر وصدقة، وغضّ بصر ولسان وسمع، وتوقير الكبار والرحمة بالصغار وصلة الأرحام، والتوبة والاستغفار والدعاء والمناجاة ولاسيما في أوقات الصلوات.
– وثمة دعوة للتحنّن على الأيتام، ووعد بتوفير التحنّن على أيتام من يأخذ نفسه في هذا الشهر بهذا الخلق والعاطفة والسلوك.
– وما أعظم أهمية هذا الربط بين الدنيويّ والأخرويّ في قوله صلى الله عليه وآله: واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه، وما في هذا التذكير من تشذيب دنيويّة الإنسان وتوظيفها لأخرويّته، أوقل ظاهره لصالح باطنه.
– وفي ذلك المنهج ما فيه من سموّ للعامل به وخير للمجتمع كلّه، وأهمية ما يوفره الإسلام من ربط العبادة بالسلوك، وانفتاح الإنسان على بني جنسه وتحقيق قيمة التكافل الاجتماعي.
(أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَالسَّاجِدِينَ، وَأَنْ لا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ".)
– يؤكد صلى الله عليه وآله مسؤولية الإنسان عن أعماله أمام الله:
(وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات 24) وحساب الإنسان عن أوزاره: (... أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (١٣الأنعام)
– لكن الرسول الذي أرسله ربه رحمة للعالمين يفتح أمام المؤمنين أبواب الإنابة والأوبة والرجاء، وهو في ذلك يمتح من معين الرحمة الإلهية التي قال عنها ربها: (.... كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ....) (٢١ الأنعام)، (... وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ....) (٦٥١ الأعراف)
– يخصّ المصلين الساجدين في هذا الشهر نهاراته ولياليه بهذه المكرمة.
– لكنها مشروطة ضمناً بألا تكون على حساب ظلم الآخرين من خلق الله وعياله، ولا على حساب أكل حقوقهم والاعتداء على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
(أيها الناس .... مَن فطّرَ منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتقُ رقبةٍ ومغفرةٌ لما مضى من ذنوبه). قيل يا رسول الله: فليس كُلّنا يقدر على ذلك! فقال (ص): اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء).
– وفي الربط بين الإفطار والإطعام توظيف للصيام على ما ينبغي أن يكون في فلسفة الإسلام.
– وفيه حفز إلى القضاء على مشكلة الجوع المشكلة التي لازالت وصمة في جبين البشرية في قرنها الواحد والعشرين، ومن المخزي والمؤلم أن هذه المشكلة لازالت تقسّم الشعوب إلى شعوب فقيرة جائعة وشعوب مترفة متخمة، وأن المسلمين الصائمين لم يقضوا على الجوع في شعوبهم على الرغم من الثروات الطائلة لبعض بلدانهم، بله القضاء على الجوع في العالم.
( أيها الناس....مَن حسّن منكم في هذا الشهر خُلُقه كان له جوازاً على الصراط يوم تَزِلُّ فيه الأقدام، ومن خفّفَ في هذا الشهر عمّا مَلَكتْ يمينُه خَفّفَ الله عليه حسابَه، ومَن كفّ فيه شرّهُ كفّ الله عنه غضبه يومَ يلقاهُ، ومَن قطع فيه رحمَهُ قطَعَ اللهُ عنه رحمتَهُ يوم يلقاهُ، ومَن تطوّع فيه بصلاةٍ كتبَ الله له براءةً من النار، ومَن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواهُ من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثَقَّلَ اللهُ ميزانه يوم تَخفُّ الموازين، ومَن تلا فيه آيةً من القرآن كان له مثلُ أجرِ مَن ختم القرآن في غيره من الشهور ).
- في هذه الفقرة عود إلى الخلقيات تأكيداً عليها وإضافة لعناصر وتفصيلات فيها، وأبرزها أن يحسّن الإنسان خلقه ويبذل خيره للناس ويكفّ عنهم شره، ولقدُ لخّص الدين بحقّ، فقيل: الدين حسن الخلق، واشتُقّ المؤمن من أنّه من يأمن الناس شره ويرجون خيره.
وثمة إلحاح على الرحم وصلة لها وتحذيراً من قطيعتها، مصداقاً للتقوى التي ذكرت مقرونة
إلى تقوى الله عز وجل في الذكر الحكيم: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) (١ النساء)
- وكان كذلك تذكير بأن هذا الشهر شهر القيام كما هو شهر الصيام، وأنه موسم عظيم من مواسم العبادة والذكر وتلاوة القرآن الكريم، وأن أجر ذلك أعظم من أجره في سواه من الشهور.
- لكن أمراً ذُكَّر به هاهنا يثقل به الميزان يوم تخف الموازين، ألا وهو الإكثار من الصلاة تامة على محمد وآل محمد لأنها تطهّر القلب من النفاق وتصل المؤمن بالأسوة الحسنة وتثبّته على. خطه ونهجه وفي ذلك خير الدنيا والأخرة.
(أيها الناس.... إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحةٌ، فاسألوا ربّكم ألا يغلِقَها عنكم، وأبواب النيران مغلقةٌ فاسألوا ربّكم أن لا يفتَحها عليكم، والشياطين مغلولةٌ فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم)
– هاهنا بشرى يزفها الرسول الأكرم (ص)، وهي أن الله عز وجل في هذا الشهر الكريم- منّة وتفضّلاً- يفتح أبواب الجنان ويغلق أبواب النيران ويصفدّ الشياطين.
– ولا ريب عند المسلم في أن الجنة والنار موجودتان وجوداً غيبياً واقعياً وكذلك الشياطين، لكن تجلّيات جمال الله في هذا الشهر إنما هي فيما ذكره من فتح وإغلاق وتصفيد.
- ويظهر من سياق الكلام أن ما يجدر أن يسأل الإنسان ربه إياه أن يُديم عليه هذه النعمة في شهور حياته الأخرى، فلا تغلق عليه أبواب الجنان ولا تفتح عليه أبواب النيران، ولا تُسلّط عليه شياطين الإنس والجانّ.
– ولن يتحقق ذلك للإنسان إلا بتوفيق من الله وإخلاص في القصد وجدّ في العمل وثبات على الصراط.
وبعد، فما أجدرنا معشر المسلمين المؤمنين أن نحفظ هذه الفقرات المتألّقة بنور رسول الله (ص) العابقة بشذى وجوده المبارك وأن نغتنم فرصة هذا الشهر العظيم شهر الله لنجسّد معانيها وآمادها عقيدة وخلقاً وسلوكاً، ولنستقيم على ذلك في حياتنا الدنيوية القصيرة الفانية لنكون أمناً وسلاماً على الناس أجمعين ما خلا المستعمرين والغاصبين والمعتدين ونسعد بها في حياتنا الأخروية الباقية ((يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)).
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*)
(٠٨١/١٨١/٢٨١ الصافات).




 

قرأت لك

كتاب: الوحي والنبوة المؤلف: مرتضى مطهري (مفكر إسلامي)

متابعة القراءة